بيان أن طلب الحكمة غير واجب: أن الحكمة لا تعرف إلا بواسطة معرفة الحاجات، والحاجات أمور باطنه لا يمكن معرفة مقاديرها إلا بمشقة شديدة؛ فوجب ألا تكون هذه المعرفة واجبة؛ لقوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج:٧٨].
الرابع: أن استقراء الشريعة يدل على أن الأحكام معللة بالأوصاف، لا بالحكم؛ لأنا لو فرضنا حصول الأوصاف الجلية؛ كالبيع، والنكاح، والهبة- عارية عن المصالح- لاستندت الأحكام إليها، ولو فرضنا حصول المصالح، دون هذه الأوصاف، لم تثبت بها الأحكام الملائمة لها؛ وذلك يدل ظاهرا على امتناع التعليل بالحكم.
الخامس: الدليل ينفي التمسك بالعلة المظنونة؛ لقوله تعالى:{ن بعض الظن إثم}[الحجرات:١٢] وقوله: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا}[النجم: ٢٨] خالفناه في الأوصاف الجلية؛ لظهورها، والحاجات ليست كذلك؛ فتبقى على الأصل.
السادس: أن الحكمة تابعة للحكم؛ لأن الزجر تابع لحصول القصاص، وعلة الشيء يستحيل تأخيرها عن الشيء؛ فالحكمة لا تكون على للحكم.
والجواب: قوله: "ما الدليل على جواز أن يحصل لنا ظن أن الحكم في الأصل معلل بالحكمة؟ ":
قلنا: لا نزاع في أن المناسبة طريق كون الوصف علة، والمعنى بذلك: أنا نستدل بكون الوصف مشتملا على المصلحة؛ على كونه علة؛ فلا يخلو: إما أن يكون الدال على عليته اشتماله على مطلق المصلحة، أو اشتماله على مصلحة معينة: