قال الرازي: المعللون بالحكمة، لما قيل لهم: إن الحكمة مجهولة القدر؛ فإن حاجة الإنسان في مبدأ زمان الجوع، دون حاجته في مقطع زمان الجوع، وما كان الغالب فيها التفاوت، لم يكن القدر الموجود في الأصل ظاهر الوجود قي الفرع؛ فلم يصح القياس.
فمن الناس: من أجاب عنه: بأنا نعلل بالقدر المشترك بين الصورتين؛ لأنه حصل في الأصل قدر معين من المصلحة، وفي الفرع قدر معين، وكل مقدارين؛ فلابد وأن يكون بينهما اشتراك في قدر معين، وذلك القدر المشترك يناسب التعليل به؛ لكونها مصلحة مطلوبة الوجود.
فإن قيل لهم: إنه ينتقض بالحاجة الفلانية؛ فإنها غير معتبرة، قالوا: نحن إنما عللنا بالقدر المشترك بين الأصل والفرع، ونحن لا نسلم أن ذلك القدر المشترك حاصل في صورة النقض.
واعلم أن هذا الكلام ضعيف؛ وذلك لأنه يحتمل ألا يكون بين القدر المشترك الحاصل في الأصل، والحاصل في الفرع- اشتراك، إلا في مسمى كونه مصلحة، والتعليل بهذا المسمى غير ممكن؛ وإلا حصل النقض بجميع المصالح المنفكة عن هذا الحكم، وأما الاشتراك بين القدرين في أمر آخر وراء عموم كونه مصلحة، فغير معلوم، ولا مظنون؛ وإذا كان وجوده غير ظاهر، لم يكن التعليل به ظاهرا.