وإنما قلنا: إن ما لا فائدة فيه عبث، وإن العبث غير جائز؛ فذلك للإجماع.
الثاني: الدليل ينفى القول بالعلة المظنونة؛ لأنه اتباع الظن؛ وهو غير جائز، لقوله تعالى:{إن الظن لا يغنى من الحق شيئا}[النجم: ٢٨] ترك العمل به في العلة المتعدية؛ لأن فيها فائدة، وهي التوسل بها إلى معرفة الحكم في غير محل النص، وهذه الفائدة مفقودة في القاصرة؛ فوجب بقاؤها على الأصل.
الثالث: العلة الشرعية أمارة؛ فلا بد وأن تكون كاشفة عن شيء، والعلة القاصرة لا تكشف عن شيء من الأحكام؛ فلا تكون أمارة؛ فلا تكون علة
والجواب: قوله: لم لا يجوز أن يقال: (صحة كونها علة موقوفة على صحة وجودها في غير ذلك المحل):
قلنا: لأن الحاصل في محل آخر لا يكون هو بعينه؛ لاستحالة حلول الشيء الواحد في محلين، بل يكون مثله، وإذا كان كذلك فنقول: كل ما يحصل له من الصفات عند حلول مثله في محل آخر يكون ممكن الحصول له عند عدم حلول مثله في محل آخر؛ لأن حكم الشيء حكم مثله، فإذا أمكن حصول كل تلك الأمور، فبتقدير تحقق ذلك، وجب أن تكون علة؛ لأن تلك العلية ما حصلت إلا بسبب تلك الأمور.
وأما تلك المعارضة الأولى، وهي:(أنه لا فائدة فيها): قلنا: لا نسلم.
قوله:(الفائدة أن يتوسل بها إلى معرفة الحكم) " قلنا: نسلم أن معرفة الحكم فائدة؛ لكن لا نسلم أنه لا فائدة إلا هي؛ فما الدلالة على هذا الحصر؟ ثم إنا نبين فائدتين أخريين: