الأولى: أن نعرف أن الحكم الشرعي مطابق لوجه الحكمة والمصلحة، وهذه فائدة معتبرة؛ لأن النفوس إلى قبول الأحكام المطابقة للحكم والمصالح أميل، وعن قبول التحكم الصرف والتعبد المحض أبعد.
الثانية: أنه لا فائدة أكثر من العلم بالشيء؛ لأنا إذا علمنا الحكم، ثم اطلعنا على علته، صرنا عالمين، أو ظانين بما كنا غافلين عنه، وذلك محبوب القلوب، ولا يمتنع أيضا أن يكون لنا فيه مصلحة.
سلمنا أنه لا بد وأن يتوسل بالعلة إلى معرفة الحكم؛ لكن من جانب الثبوت، أو في جانب العدم؟.
الأول ممنوع، والثاني مسلم، وها هنا أمكن التوسل به إلى عدم الحكم.
بيانه: أنه إذا غلب على ظننا كون حكم الأصل معللا بعلة قاصرة، امتنعنا من القياس عليه؛ فلا يثبت الحكم في الفرع.
فإن قلت:(يكفى في الامتناع من القياس ألا نجد علة متعدية، فأما التعليل بالعلة القاصرة، فلا حاجة إليه في الامتناع من القياس):
قلت: يجوز أن يوجد في الأصل وصف متعد مناسب لذلك الحكم، فلو لم يجز التعليل بالعلة القاصرة، لبقى ذلك الوصف المتعدي خاليا عن المعارض؛ فكان يجب التعليل به؛ وحينئذ: كان يلزم ثبوت الحكم في الفرع.
أما لو جاز التعليل بالوصف القاصر، صار معارضا لذلك الوصف المتعدى؛ وحينئذ: لا يثبت القياس، ويمتنع الحكم.
سلمنا أنه لا فائدة فيها؛ فلم قلتم: إنها تكون باطلة؛ فإنه لا يمتنع كونها علة