وثانيها: أن انتفاء الحكم؛ لانتفاء المقتضي أظهر عند العقل من انتفائه لحصول المانع.
وإذا كان كذلك، فإما أن يكون ظن تحقق انتفاء المقتضي مثل ظن تحقق وجود المانع، أو أقوى منه، أو أضعف منه:
فإن كان الأول: امتنع تعليل عدم الحكم بوجود المانع؛ لأن عدم المقتضي ووجود المانع، لما استويا في الظن، واختص عدم المقتضي بمزية، وهي أن ظن إسناد عدم الحكم إليه أقوى من ظن إسناده إلى وجود المانع- كان ظن تعليل عدم الحكم بعدم المقتضي أقوى من تعليله بوجود المانع، والأقوى راجح؛ فيلزم ألا يجوز تعليل عدم الحكم بالمانع، وأما إن كان ظن عدم المقتضي أظهر، فالتقدير المذكور أظهر.
وأما إن كان ظن عدم المقتضي مرجوحا بالنسبة إلى وجود المانع، فظن العدم إنما يكون مرجوحا، لو كان ظن الوجود راجحا، وذلك يدل على أن التعليل بالمانع يتوقف على رجحان وجود المقتضي، وهو المطلوب.
وثالثها: أن التعليل بالمانع يتوقف على بيان المقتضي عرفا، فيتوقف عليه شرعا: أما الأول: فلأن من قال: (الطير إنما لا يطير؛ لأن القفص يمنعه) فهذا التعليل موقوف على العلم بكون الطير حيا قادرا؛ فإن بتقدير موت الطير يمتنع تعليل عدم الطيران بالقفص، وكذا من علل عدم حضور زيد في السوق بحضور غريم له هناك: لابد أن يبين أنه كان قادرا على الحضور؛ وإلا لما صح ذلك التعليل عرفا.