قامت الدلالة على أن المؤثر في ذلك الحكم، هو الوصف الفلاني، ثم قامت الدلالة على أن ذلك الوصف حاصل في هذه الصورة الثانية- لزم القطع بحصول الحكم في الصورة الثانية، بل تحصيل اليقين لهاتين المقدمتين أمر صعب؛ وذلك لأنا وإن بينا أن الحاصل في الفرع مثل الحاصل في الأصل، فالمثلان لابد وأن يتغايرا بالتعين والهوية؛ وإلا فهذا عين ذاك، وذاك عين هذا؛ فيكون كل واحد منهما عين الآخر، فالاثنان واحد، هذا خلف.
وإذا حصل التغاير بالتعين والهوية، فلعل ذلك التعين في أحد الجانبين جزء العلة، أو شرط العلية، وفي الجانب الآخر: يكون مانعا من العلية، ومع هذا الاحتمال: لا يحصل القطع.
واعلم أن للمتكلمين طرقا في تعيين العلة:
أحدها: التقسيم الذي لا يكون منحصرا، فإذا قيل لهم: لم لا يجوز وجود قسم آخر؟ قالوا: اجتهدنا في طلبه، فما وجدناه، وعدم الوجدان بعد الاستقصاء في الطلب يدل على عدم الوجود؛ كالمبصر، إذا طلب شيئا في الدار، ونظر إلى جميع جوانبها في النهار، فلم يجد- قطع العدم، وهذا ضعيف؛ إذ رب موجود ما عرفناه بعد الطلب، والقياس على نظر العين قياس من غير جامع، وبتقدير ذكر الجامع، فهو إثبات القياس بالقياس؛ وهو باطل.
وثانيها: الدوران الخارجي، وقد تقدم بيان أنه لا يفيد الظن؛ فضلا عن اليقين.
وثالثها: الدوران الذهني؛ كقولهم: متى عرفنا كون التكليف أمرا بالمحال، عرفنا قبحه، وإن لم نعرف شيئا آخر، ومتى لم نعرف كونه أمرا بالمحال، لم نعرف قبحه، وإن عرفنا سائر صفاته، فإذن: العلم بالقبح دائر، مع العلم بكونه بالتكليف بالمحال في الذهن.