فهذا الدوران الذهني يفيد الجزم بأن المؤثر في القبح، هو نفس كونه أمرا بالتكليف.
فنقول: كلامكم يشتمل على أمري:
أحدهما: أنه لما لزم من العلم بكونه أمرا بالمحال- العلم بقبحه، لزم أن يكون كونه أمرا بالمحال علة لقبحه.
والثاني: أنه لما لم يلزم من العلم بسائر صفاته- العلم بكونه قبيحا، وجب ألا يكون سائر صفاته علة لكونه قبيحا، وأنتم منازعون في هذين المقامين، فلابد من الدلالة عليهما؛ فإن العلم بهما ليس من العلوم الضرورية؛ كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وما رأيت أحدا من المتكلمين ذكر في تقرير هذين المقامين شيئا؛ على أن الأول منقوض بجميع الإضافات؛ فإنا متى علمنا كون هذا الشخص أبا، علمنا كون هذا الآخر ابنا، وكذا بالعكس من أنه يستحيل أن يكون كون هذا أبا لذاك علة لكون ذلك ابنا لهذا؛ لأن المضافين معا، والعلة قبل المعلول؛ (والمع) لا يكون قبل.
وأما الثاني: فلأنه لا يمكن القطع بأنا إذا عرفنا سائر صفاته، فإنه لا يحصل العلم عند ذلك بكونه قبيحا إلا إذا عرفنا كل صفة، فكيف يمكننا أن نقطع بأنا عرفنا كل صفاته؟ فإنا إذا جوزنا أن يكون من الصفات ما لم نعرفه، جوزنا في بعض تلك الصفات التي لم نعرفها أن يجب عند العلم به العلم بكونه قبيحا، ومع هذا التجويز: لا تتم هذه المقدمة.
سلمنا أنه لا يلزم من العلم بسائر الصفات العلم بكونه قبيحا؛ فلم يدل هذا القدر على أن سائر الصفات لا يجوز أن تكون مؤثرة في القبح؟.