الحق جواز القياس في اللغات، وهو قول ابن سريج منا، ونقل ابن جني في (الخصائص): أنه قول أكثر علماء العربية؛ كالمازني وأبي علي الفارسي، وأما أكثر أصحابنا وجمهور الحنفية فينكرونه.
لنا وجوه:
الأول: أنا رأينا أن عصير العنب لا يسمى خمرا قبل الشدة الطارئة، فإذا حصلت تلك الشدة، سميت خمرا، فإذا زالت الشدة مرة أخرى، زال الاسم؛ والدوران يفيد ظن العلية، فيحصل ظن أن العلة لذلك الاسم هو الشدة، ثم رأينا الشدة حاصلة في النبيذ، فيحصل ظن أن علة هذا الاسم حاصلة في النبيذ، ويلزم من ظن حصول علة الاسم ظن حصول الاسم، فإذا حصل ظن أنه مسمى بالخمر، وعلمنا أو ظننا أن الخمر حرام- حصل ظن أن النبيذ حرام، والظن حجة، فوجب الحكم بحرمة النبيذ.
فإن قيل: الدوران إنما يفيد ظن العلية فيما يحتمل العلية، وهاهنا لم يوجد الاحتمال؛ لأنه ليس بين شيء من الألفاظ، وشيء من المعاني مناسبة أصلا؛ فاستحال أن يكون شيء من المعاني داعيا للواضع إلى تسميته بذلك الاسم، وإذا لم يوجد احتمال العلية هاهنا، لم يكن الدوران هاهنا مفيدا لظن العلية.
سلمنا أنه حصل ظن العلية؛ ولكن إنما يلزم من حصول العلة في الفرع حصول ذلك الحكم، إذا ثبت أن تلك العلة إنما صارت علة لأن الشارع جعلها علة؛ ألا ترى أنه لو قال:(أعتقت غانما لسواده) فإذا كان له عبد آخر أسود،