ثم الفرق أن البينات أشد خطرا، ولذلك اشترط فيه العدد وغيره؛ لاحتمال العداوة الباطنة التي لم يطلع عليها الخلق، وإذا عظم خطره تعين ألا يعمل فيه إلا بسبب سالم عن المعارض فضلا عن الترجيح؛ لأن الترجيح اشتمل على نقضين:
أحدهما: أنه لا يكون إلا مع التعارض.
والثاني: أن أحد المتساويين يسقط بمثله، ويبقى الاعتماد على الترجيح، وهو أضعف من أصل السبب، إنما هو ضميمة لطيفة، ولذلك يحسن في الرواية دون الشهادة لعظم الحظر فيها.
قوله:(لا يعتبر الترجيح؛ لقوله تعالى:{فاعتبروا}[الحشر: ٢]، ولقوله عليه السلام: (نحن نحكم بالظاهر):
قلنا: الآية لا تقتضي عدم اعتبار الترجيح، بل دلت على القدر المشترك من الصور والاستدلال، والدال على الأعم غير دال على الأخص نفيا ولا إثباتا.
وأما الحديث وإن دل على اعتبار المرجوح لكونه ظاهرا بالنظر إلى ذاته، فهو يدل أيضا على اعتبار الراجح لكونه ظاهرا بالاعتبارين: باعتبار ذاته، وباعتبار ما حصل له من الترجيح، فهو يتناول الجميع؛ لأن الأظهر ظاهر قطعا، فهو متناول له بعمومه.
(سؤال)
قال النقشواني: جواب المصنف ضعيف بالنسبة إلى الوجه الأول؛ لأن الوجه متفرد بعين ما ذكره المستدل في اعتبار الترجيح بزيادة الظن، فإن كان ذلك قطعيا فهو في جانب المعترض أيضا قطعي، وإن لم يكن قطعيا فقد سقط الجواب.