الترجيح، لكان ذلك التزاما، لذلك القدر الزائد من المحذور من غير معارض؛ وإنه غير جائز.
واحتج الخصم بالخبر، والقياس:
أما الخبر: فقوله- عليه الصلاة والسلام-: (نحن نحكم بالظاهر) فهذا بإيمائه يدل على أن المعتبر أصل الظهور، وأن الزيادة عليه ملغاة، ترك العمل به في الترجيح بقوة الدليل؛ لأن هناك الزيادة مع المزيد عليه حاصلان في محل، والقوى حال اجتماعهما تكون أقوى منها حال تفرقها؛ بخلاف الترجيح بكثرة الدليل؛ فإن هناك الزيادة في محل، والمزيد عليه في محل آخر؛ فلا يحصل كمال القوة.
أما القياس: فقد أجمعنا على أنه لا يحصل الترجيح بالكثرة في الشهادة والفتوى، فكذا هاهنا.
وأيضا: اجمعنا على أن الخبر الواحد، لو عارضه ألف قياس، فإنه يكون راجحا على الكل، وذلك يدل على أن الترجيح لا يحصل بكثرة الأدلة.
الجواب عن الأول: أن ذلك الإيماء ترك العمل به في الترجيح بالقوة؛ فوجب أن يترك العمل به في الترجيح بالكثرة؛ لأن المعتبر قوة الظن، وهي حاصلة في الموضعين.
أما قوله:(إن في الترجيح بالقوة: تحصل الزيادة مع المزيد في محل واحد، وللاجتماع أثر):
قلت: نحن نعلم أنه، وإنه كان محل الزيادة مغايرا للأصل، لكن مجموعهما مؤثر في تقوية الظن؛ فإنه إذا أخبرنا مخبر عدل عن واقعة، حصل ظن ما، فإذا أخبرنا ثان، صار ذلك الظن أقوى، وإذا أخبرنا ثالث، صار ذلك الظن أقوى، ولا تزال القوة تزداد بازدياد المخبرين؛ حتى ينتهي إلى العلم؛ فعلمنا أن ما ذكروه من الفرق لا يقدح في كونه مقويا للظن.