قال الرازي: إذا تعارض الدليلان، فالعمل بكل واحد منهما من وجه، دون وجه- أولى من العمل بأحدهما، دون الثاني؛ لن دلالة اللفظ على جزء مفهومه دلالة تابعة لدلالته على كل مفهومه، ودلالته على كل مفهومه دلالة أصلية.
فإذا علمنا بكل واحدة منهما بوجه، دون وجه- فقد تركنا العمل بالدلالة التبعية، وإذا عملنا بأحدهما، دون الثاني، فقد تركنا العمل بالدلالة الأصلية، ولا شك أن الأول أولى.
فثبت أن العمل بكل واحد منهما من وجه دون وجه- أولى من العمل بأحدهما من كل وجه، دون الثاني.
إذا ظهر ذلك، فنقول: العمل بكل واحد من وجه ثلاثة أنواع:
أحدهما: الاشتراك والتوزيع، إن كان قبل التعارض، يقبل ذلك.
وثانيها: أن يقتضي كل واحد منهما حكما ما، فيعمل بكل واحد منهما في حق بعض الأحكام.
وثالثها: العامان، إذا تعارضا، يعمل بكل واحد منهما في بعض الصور؛ كقوله- عليه الصلاة والسلام-: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟! قيل: بلى، يا رسول الله، قال: (أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد) وقوله- عليه الصلاة والسلام-: (ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد) فيعمل بالأول في حقوق الله، والثاني في حقوق العباد.