أسند، صارت عدالته معلومة للكل؛ لأنه يكون كل واحد متمكنا من البحث عن أسباب جرحه وعدالته، ولا شك أن من لم تظهر عدالته إلا لرجل واحد يكون مرجوحا بالنسبة إلى من ظهرت عدالته لكل أحد؛ لاحتمال أن يكون قد خفي حال الرجل على إنسان واحد؛ ولكن يبعد أن يخفى حاله على الكل؛ فثبت أن المسند أولى.
احتج المخالف بأمرين:
الأول: أن الثقة لا يقول: (قال الرسول ذلك) فيحكم عليه بالتحليل والتحريم، ويشهد به إلا وهو قاطع، أو كالقاطع بذلك؛ بخلاف ما إذا أسند الحديث، وذكر الواسطة؛ فإنه لم يحكم على ذلك الخبر بالصحة، فلم يزد على حكاية أن فلانا زعم أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال ذلك؛ فكان الأول أقوى.
الثاني: روي أن الحسن قال: (إذا حدثني أربعة نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث، تركتهم وقلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
فأخبر عن نفسه أنه لا يستجيز هذا الإطلاق إلا عند فرط الوثوق.
والجواب عن الأول: أن قول الراوي: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لا يمكن إجراؤه على ظاهره؛ لأنه يقتضي الجزم بصحة خبر الواحد، وهو جهل، وغير جائز؛ فوجب حمله على أن المراد منه:(أني أظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) وإذا كان كذلك، كان الإسناد أولى من الإرسال؛ لأن في الإسناد يحصل ظن العدالة للكل، وفي الإرسال لا يحصل ذلك الظن إلا للواحد، وهذا هو الجواب بعينه عن الوجه الثاني.