وأما المثال الثاني، وهو ما إذا اقتضى العقل الوجوب، وجاء خبران في الحظر والإباحة، فالكلام فيه كما في المثال الأول.
وأما المثال الثالث؛ وهو ما إذا اقتضى العقل الإباحة، ثم جاء خبران في الحظر والوجوب: فنقول: لما ثبت أن الإباحة تشارك كل واحد من الوجوب والحظر بما به تخالف الآخر، وإذا كانت مقتضى العقل، لزم أن يكون الوجوب مقررا لحكم العقل من وجه، وناقلا من وجه آخر، وكذا القول في الحظر، فهاهنا أيضا: لابد في النفي والإثبات المتواردين على أمر واحد: أن يكون أحدهما عقليا، وإذا ثبت انه لابد في النفي والإثبات من كون أحدهما عقليا- رجع الترجيح إلى ما تقدم من أن الناقل أرجح أم المبقى؟!.
فرع: إذا كان مقتضى العقل الحظر، ثم ورد الخبران في الإباحة والوجوب، والإباحة تشارك الحظر من وجه، وتخالفه من وجه آخر، فخبر الإباحة يقتضي بقاء حكم العقل من وجه، والنقل من وجه، وأما الوجوب: فإنه يخالف الحظر في القيدين معا، فيكون الوجوب مقتضيا للنقل من وجهين، فمن رجح الخبر الناقل على المبقى، رجح الخبر الوجوب، ومن رجح المبقى على الناقل، فبالعكس.
وكذا القول فيما إذا اقتضى العقل الوجوب، وجاء خبران في الحظر والإباحة، فأما إذا اقتضى العقل الإباحة، وجاء خبران في الحظر والوجوب، فكل واحد منهما يشارك في الإباحة من وجه، ويخالفها من وجهه آخر؛ فإذن: كل واحد منهما ناقل من وجه، ومبق من وجه آخر، فيحصل التساوي، ولا يحصل الترجيح.
الثالث: إذا تعارض خبران في الحظر والإباحة، وكانا شرعيين، فقال أبو هاشم وعيسى بن أبان: إنهما يستويان.