وأيضًا: فإنما يجب اتصافه بهذا المنصب، لو لم يجد منصبًا أعلى منه؛ لكنه وجده؛ لأنه يستدرك الأحكام وحيًا، وهذا المنصب أعلى من الاجتهاد).
قلت: الجواب عن الأول: أن ذلك غير ممكنٍ؛ لأن العمل بالاجتهاد مشروط بالنص على أحكام الأصول، وإذا كان كذلك، تعذر العمل في كل الشرع بالاجتهاد.
وعن الثاني: أن الوحي، وإن كان أعلى درجة من الاجتهاد، لكن ليس فيه تحمل المشقة في استدراك الحكم، ولا يظهر فيه أثر دقة الخاطر، وجودة القريحة، وإذا كان هذا نوعًا مفردًا من الفضيلة، لم يجز خلو الرسول عنه بالكلية.
ورابعها: قوله - عليه الصلاة والسلام -: (العلماء ورثة الأنبياء) وهذا يوجب أن تثبت له درجة الاجتهاد؛ ليرثوه عنه؛ إذ لو ثبت لهم ذلك ابتداءً، لم يكونوا وارثين عنه.
فإن قلت:(أراد به في إثبات أركان الشرع):
قلت: إنه تقييد من غير دليلٍ.
وخامسها: أن بعض السنن مضافة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان الكل بالوحي، لم يبق لتلك الإضافة مزيد فائدة، كما أن الشافعي - رضي الله عنه - إذا أثبت حكمًا بالنص الظاهر الجلي الذي لا يفتقر فيه ألبتة إلى اجتهاد، لا يقال:(إن ذلك مذهب الشافعي) فلا يقال: مذهب الشافعي - رضي الله عنه - وجوب الصلوات الخمس) وأما الذي يثبته بضربٍ من اجتهادٍ، فإنه يضاف إليه، فكذا ها هنا.