للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الذي يدل على أنه كان مجتهدًا في أمر الحروب: أنه اجتهد في أخذ الفداء عن أساري بدرٍ، بعدما كان راجعهم في تلك الحال) وذلك لا يمكن إلا مع الاجتهاد.

واحتج المانعون بأمورٍ:

أحدها: قوله تعالى:} وما ينطق عن الهوى {.

وثانيها: أن بعض الصحابة راجعه في منزلٍ نزله، وقال: (إن كان هذا بوجي الله تعالى، فالسمع والطاعة، وإلا فليس هو بمنزل مكيدة) فدل هذا على جواز مراجعته في اجتهاد، ولا تجوز مراجعته في أحكام الشرع؛ فيلزم ألا يكون فيها ما هو باجتهاده.

وثالثها: أن الاجتهاد لا يفيد إلا الظن، وأنه (عليه الصلاة والسلام) كان قادرًا على تلقيه من الوحي، والقادر على تحصيل العلم لا يجوز له الاكتفاء بالظن؛ كالمعاين للقبلة؛ لا يجوز له أن يغمض عينيه، ويجتهد فيها.

ورابعها: أن مخالفه - عليه الصلاة والسلام - في الحكم يكفر؛ لقوله تعالى:} فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم {والمخالف في هذه المسائل الشرعية لا يكفر؛ لأن الرجل إذا اجتهد وأخطأ فيها، فله أجر واحد، والمستوجب للأجر لا يمكن تكفيره.

وخامسها: لو جاز له العمل بالاجتهاد، لما توقف في شيءٍ من الأحكام الشرعية على الوحي؛ لأن حكم الوحي في الكل كان معلومًا له، وطرق الاجتهاد كانت مظنونًة له، فعند وقوع الواقعة التي ما أنزل عليه فيها وحي، كان مأمورًا بالاجتهاد، فكان ينبغي ألا يتوقف إلى نزول الوحي؛ لكنه توقف كما في مسألة الظهار، واللعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>