للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أن يكون عارفًا بمقتضى اللفظ ومعناه؛ لأنه لو لم يكن كذلك، لم يفهم منه شيئًا، ولما كان اللفظ قد يفيد معناه - لغةً، وعرفًا، وشرعًا - وجب أن يعرف اللغة، والألفاظ العرفية والشرعية.

وثانيها: أن يعرف من حال المخاطب: أنه يعني باللفظ ما يقتضيه ظاهره، إن تجرد، أو ما يقتضيه مع قرينة، إن وجدت معه قرينه؛ لأنه لولا ذلك، لما حصل الوثوق بخطابه؛ لجواز أن يكون عنى به غير ظاهره، مع أنه لم يبينه.

قالت المعتزلة: وذلك إنما يعرف بحكمة المتكلم، أو بعصمته، والحكم بحكمة الله تعالى مبني على العلم بأنه تعالى عالم بقبح القبيح، وعالم بغناه عنه.

وأما أصحابنا: فإنهم قالوا: الشيء، وإن كان جائز الوقوع قطعًا، لكنه قد نقطع بأنه لا يقع، فإنا نجوز انقلاب ماء جيحون دمًا، وانقلاب الجدران ذهبًا، وتولد الإنسان لا من الأبوين دفعةً واحدةً، ومع ذلك نقطع بأنه لا يقع، فكذا هاهنا نحن، وإن جوزنا من الله تعالى كل شيء؛ لكنه تعالى خلق فينا علمًا بديهيًا؛ بأنه لا يعني بهذه الألفاظ إلا ظواهرها؛ فلذلك أمنا من وقوع التلبيس.

وثالثها: أن يعرف مجرد اللفظ، إن كان مجردًا، وقرينته إن كان مع قرينة؛ لأنا لو لم نعرف ذلك، لجوزنا في المجرد أن تكون معه قرينة تصرفه عن ظاهره، ثم القرينة قد تكون عقلية، وقد تكون سمعية:

وأما القرينة العقلية: فإنها تبين ما يجوز أن يراد باللفظ مما لا يجوز.

وأما السمعية: فهي الأدلة التي تقتضي تخصيص العموم في الأعيان، وهو المسمي بالتخصيص، أو في الأزمان، وهو النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>