وأما الإجماع: فينبغي أن يكون عالمًا بمواقع الإجماع؛ حتى لا يفتي بخلاف الإجماع.
وطريق ذلك: ألا يفتي إلا بشيءٍ يوافق قول واحد من العلماء المتقدمين، أو يغلب على ظنه: أنه واقعة متولدة في هذا العصر، ولم يكن لأهل الإجماع فيها خوض.
وأما العقل: فيعرف البراءة الأصلية، ويعرف أنا مكلفون بالتمسك بها، إلا إذا ورد يصرفنا عنه، وهو نص، أو إجماع، أو قياس؛ على شرائط الصحة، فهذه هي العلوم الأربعة.
وأما العلمان المقدمان: فأحدهما: علم شرائط الحد والبرهان على الإطلاق، وثانيهما: معرفة النحو، واللغة، والتصريف؛ لأن شرعنا عربي، فلا يمكن التوسل إليه إلا بفهم كلام العرب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، ولابد في هذه العلوم من القدر الذي يتمكن المجتهد به من معرفة الكتاب والسنة.
وأما العلمان المتمان فأحدهما: يتعلق بالكتاب، وهو علم الناسخ والمنسوخ، والآخر: بالسنة، وهو علم الجرح والتعديل، ومعرفة أحوال الرجال.
واعلم: أن البحث عن أحوال الرجال في زماننا هذا مع طول المدة، وكثرة الوسائط - أمر كالمتعذر، فالأولي: الاكتفاء بتعديل الأئمة الذين اتفق الخلق على عدالتهم؛ كالبخاري، ومسلم، وأمثالهما.
وقد ظهر مما ذكرنا: أن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه، وأما سائر العلوم، فغير مهمة في ذلك؛ أما الكلام: فغير معتبر؛ لأنا لو فرضنا إنسانًا جازمًا بالإسلام تقليدًا، لأمكنه الاستدلال بالدلائل الشرعية على الأحكام.