فهو معنى قوله:(إنه على التقديرين: كل مجتهدٍ مصيب).
أما إذا قلنا في نفس الأمر: حكم الله - تعالى - معين، والمجتهدون يطلبون، فبعضهم في مسائل الخلاف أخطأه قطعًا، ولا يمكن أن يقال: الكل أصابوه؛ لأن التقدير أنهم أفتوا بأحكام مختلفة، والواحد لا يكون أحكامًا مختلفة، ولا يمكن أن يقال: الكل أخطأه؛ لدلالة القاطع على أن الحق لا يفوت الأمة، وأنها معصومة عن فوات الصواب.
فحينئذ يتصور أن يقال: إن بعض المجتهدين مخطئ، وإن المصيب واحد، أما على الطريق الأول فلا.
قوله:(إن وجد في نفس الأمر ما لو حكم الله - تعالى - لما حكم إلا به، وهو القول بالأشبه):
تقريره: أن في زماننا نقطع بأنه لا نبي لله - تعالى - في الأرض، ولا يجوز أن يكون، ومع ذلك فنقول: لو أن الله - تعالى - ترك باب النبوة مفتوحًا، وأراد أن يبعث منا نبيًا إلينا، بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلانًا ونشير إلى أن من يعتقد أنه خير أهل زماننا مفتوحا، وأراد أن يبعث منا نبيًا إلينا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك هاهنا: إذا فرعنا على أنه - لا حكم لله - تعالى - في نفس الأمر، فهل في نفس الأمر ما هو راجح في المصلحة، أو دارئ للمفسدة؛ بحيث لو أن لله - تعالى - حكمًا لعينه، والأحوال مستوية، فليس فيها أرجح.
والاستواء هو مذهب من لم يقل بالأشبه، ولا بالحكم بالتصويب مطلقًا، فالقول بالأشبه هو حكم بالفرض والتقدير، لا بالتحقيق كما تقرر.
قوله:(والثاني: في قول الخلص من المصوبين):
تقريره: أن الخلص جمع خالص، أي أخلصوا كما في التصويب؛ فإن القول بالأشبه فيه شائبة عدم التصويب المطلق، وشبه التخطئة باعتقاد الأشبه.