قوله:(كون الحكم لا دلالة عليه، ولا أمارة، هو قول طائفة من الفقهاء والمتكلمين، وقد نقل عن الشافعي - رحمه الله - أن في كل واقعة ظاهرًا وإحاطة، ونحن ما كلفنا بالإحاطة، وهؤلاء زعموا أن ذلك الحكم مثل دفين يعثر عليه الطالب بالاتفاق):
قلنا: هذا النقل غير ملخص في ظاهر العبارة؛ فإنه ذكر القول بعدم الدلالة والأمارة، وحكى عن الشافعي ما حكاه، ثم قال: وهؤلاء قالوا: إنه كدفينٍ يعثر عليه، وذلك يقتضي أن الشافعي من جملة من قال بعدم الدلالة والأمارة، مع أنه حكى عنه الظاهر والإحاطة، وهما أمارتان، فبقي في النقل مناقضة، وتدفاع.
وقال التبريزي: في هذا الموضع قال بعض المصوبة: لله - تعالى - حكم معين، لكن منهم من قال: لا أمارة عليه، ولا دليل؛ بل هو كدفين يعثر عليه، ومنهم من قال: عليه أمارة ظنية، ما كلفنا بها لخفائها، وهو قول كافة الفقهاء، والمنسوب إلى الشافعي، وأبي حنيفة.
وقد نقل عن الشافعي أنه قال: في كل واقعة ظاهر وإحاطة، وإنا كلفنا بالإحاطة، ومنهم من قال: كلفنا بها أولاً، وعند الخطأ يتعين التكليف.
فجعل التبريزي قول الشافعي قولاً مخالفًا للقول بأن الحكم لا أمارة عليه، وحكى عنه الأمارة، وحكى عنه في التكليف بها قولين.
فهذا نقل مستقيم؛ فإنه لم يدخل الشافعي فيمن قال بعدم الأمارة، بل جعله قسيمًا لهم.
وقال سيف الدين: من قال: عليه دليل ظني ومنهم من قال: فمن ظفر به، فله أجران، وهو مصيب، ومن لم يصبه فهو مخطئ،