وإنما يمنع ذلك قبل أن يغيرها الله تعالى، وكذلك هاهنا تمتنع هذه المسألة إذا لم يفعلها الله - تعالى - لأحد.
وإنما الكلام هل يجوز عليه أن يفعل ذلك أم لا؟ وأنتم أحلتم ذلك.
قوله:(ولولا ذلك لبطل الاستدلال بالاتفاق على العلم، والأخبار بالغيب على النبوة):
قلنا: لا نسلم أن دلالة الاتفاق على العلم قطعية، لا يجوز خلافها، وامتناع كتابة الجاهل بالمصادفة للمصحف اتفاقي عادي، فإن الله - تعالى - أجرى عادته به، وهو جائز أن يكون خلافه، بخلاف الاتفاق لا يجوز خلافه.
وأما ما ينسب إلى العاقل، والجاهل، والحيوانات السمية من مسدسات بيوت النحل، وشبهها؛ فليس بشيء من أولئك فاعلاً إنما الفاعل هو الله - تعالى - فما صدر فعل من غير معين.
قوله:(القصد إلى الفعل فرع كونه حسنًا، فإذا لم يتميز كان تكليفًا بما لا يطاق):
قلنا: لا نسلم لزوم تكليف ما لا يطاق؛ لأن الله - تعالى - أذن له في اختيار أي شيء شاء.
والإرادة شاءها لذاتها أنها مستغنية في تعلقها عن المرجح - كما تقرر في أصول الدين - فإذا علق إرادة بفعل علم أنه حسن؛ لأن الله - تعالى - أخبره أن متعلق إرادته لا يكون إلا حسنًا.
فتأخر التمييز عن تعلق الإرادة، فيكون المكلف به مقدورًا، كما لو قال النبي - عليه السلام - لمن ضاعت له ضالة:(ارحل أي مكان شئت؛ فإنك تجدها فيه)، فإنه يبادر فيختار بغير سفه مكانًا فيجدها فيه، والتكليف واقع بالإجبار، فيجب تقدمه على الاختيار، لا على الحكم بالحسن.