والذي أرى في هذه المواضع - أن الله - تعالى - شرع المصالح بحسب القدرة عليها، وتواطن النفس بها، واستقرارها على السكون للعمل بها، فإذا أراد الله - تعالى - شرعًا خلق في النفوس ذلك، وجعله سبقًا عادمًا لورود الشرائع، وإذا خلق في الوجود الضعف في نفوس الخلق جعل ذلك سببًا لتخفيف التكليف، فصارت الخمسون صلاة خمسًا، وعلى هذا القياس عادة الله - تعالى - في خلقه.
إذا تقرر هذا ظهر الجواب عن صلاته القيام؛ فإن المداومة عليها إظهار صورة القوة على هذه المصلحة، فيوجبها الله - تعالى - لأن مصلحتها مصلحة إيجاب، ومصلحة الإيجاب قد ترك إيجابها للمشقة؛ لقوله عليه السلام:(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) أخبرهم - عليه السلام - أن مصلحة السواك مصلحة إيجاب، وتركه الإيجاب للمشقة.
ولذلك إذا أظهروا الميل إلى الفعل، أو نوع من العبادات كان ذلك إظهارًا للقوة، فربما جعل الله - تعالى - ذلك سببًا عاديًا لتحقيق الوجوب، فنهي عن ذلك، وأمرنا بالموادعة، وترك التعرض لإظهار القدرة، والجلد؛ لئلا يعظم التكليف.
وأما قوله عليه السلام:(لو قلتها لوجبت) فسهل؛ لأنه يخبر عن الله - تعالى - في الشرائع، وقوله قول الله - تعالى - ولذلك قال الله تعالى:} إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله {،} من يطع الرسول فقد أطاع الله {.
وقوله عليه السلام:(لولا أن أشق على أمتي لجعلت وقت هذه الصلاة هذا الوقت) - يشير إلى ثلث الليل، كما قال في السؤال.