وهذا على ثلاثة أقسامٍ: لأنهما إما أن يكونا متعادلين، وإما أن تكون المصلحة راجحة، وإما أن تكون المفسدة راجحة، فهذه أقسام ستة:
أحدها: أن يستلزم مصلحة خالية عن المفسدة، وهذا لابد وأن يكون مشروعًا؛ لأن المقصود من الشرائع رعاية المصالح.
وثانيها: أن يستلزم مصلحة راجحة، وهذا أيضًا لابد وأن يكون مشروعًا؛ لأن ترك الخير الكثير، لأجل الشر القليل - شر كثير.
وثالثها: أن يستوى الأمران، فهذا يكون عبثًا؛ فوجب ألا يشرع.
ورابعها: أن يخلو عن الأمرين؛ وهذا أيضًا يكون عبثًا؛ فوجب ألا يكون مشروعًا.
وخامسها: أن يكون مفسدةً خالصة؛ ولا شك أنها لا تكون مشروعة.
وسادسها: أن يكون ما فيه من المفسدة راجحًا على ما فيه من المصلحة؛ وهو أيضًا غير مشروعٍ؛ لأن المفسدة الراجحة واجبة الدفع بالضرورة.
وهذه الأحكام المذكورة في هذه الأقسام الستة: كالمعلوم بالضرورة أنها دين الأنبياء؛ وهي المقصود من وضع الشرائع؛ والكتاب والسنة دالان على أن الأمر كذلك تارةً بحسب التصريح، وأخرى بحسب الأحكام المشروعة؛ على وفق هذا الذي ذكرناه.
غاية ما في الباب: أنا نجد واقعة داخلة تحت قسمٍ من هذه الأقسام، ولا يوجد لها في الشرع ما يشهد لها بحسب جنسها القريب؛ لكن لابد وأن يشهد الشرع بحسب جنسها البعيد على كونه خالص المصلحة، أو المفسدة، أو غالب المصلحة، أو المفسدة؛ فظهر أنه لا توجد مناسبة، إلا ويوجد في الشرع ما يشهد لها بالاعتبار: إما بحسب جنسه القريب، أو بحسب جنسه البعيد.