وأما صورة التترس، فحفظ الإسلام، وقهر الكفار - مقصود مطلقًا بأدلة قاطعة لا تحتاج إلى استشهاد بأصل، لكن عارض تحصيل هذا المقصود الإفضاء إلى سفك جم امرئ مسلم لم يذنب، وهذا أيضًا مقصود الاجتناب بأدلة لا شك فيها.
وعند تعارض الأدلة: يجب العمل بالراجح المتعين بأدلة، سنها سيرة الصحابة - رضي الله عنهم - ثم له شواهد، كقطع اليد المتآكلة حفظًا للجملة؛ بل جواز الفصد، والحجامة؛ فإنه إفساد للبعض لإصلاح الكل.
قال إمام الحرمين في (البرهان): (الاستدلال بهذه الطريقة أمر عسر، وهو معنى معتبر في الحكم مناسب له في مقتضى العقل من غير أصل متفق عليه مسند إليه هذا المناسب.
وقد منعه القاضي، وطوائف من المتكلمين، والأصحاب، وبالغ مالك في أعمال المصالح حتى أفرط، وخرج عن المصالح المألوفة في الشرع، وأفضى به ذلك إلى استحلال القتل، وأخذ المال، وأخذ بمصالح يقتضيها غالب الظن من غير مستند إلى أصل.
وجوز الشافعي ومعظم الحنفية اعتبار المصالح، وإن لم تستند إلى أصل متفق عليه، لكن بشرط عدم البعد، والإفراط، بل ما يشبه المصالح المعتبرة وفاقًا، فتصير المذاهب ثلاثة: المنع مطلقًا، بالاقتصار على المصالح التي لها أصول. والجواز مطلقًا، وإن بعدت المصالح، ما لم يعارضها كتاب أو سنة، أو إجماع.