ومذهب الشافعي: التوسط المتقدم، وهو اعتبار ما قرب من معاني الأصول.
احتج القاضي أبو بكر للمنع، بأن قبح هذا الباب ليس له أصل، ويفضى إلى أن يبقي أهل النظرية بمنزلة الأنبياء - عليهم السلام - ولم ينسب ما يرونه إلى الشريعة، وهو ذريعة إلى إبطال أئمة الشريعة، وإلى أن يفعل كل واحد ما يرى.
ثم يختلف ذلك باختلاف الزمان، والمكان، وأصناف الخلق، فيبطل ما درج عليه الأولون؛ ولأنه لو جاز ذلك لكان العاقل ذوي الرآي العالم بوجوه السياسات إذا راجع المفتين في حادثة، وأعلموه أنها ليست منصوصة، ولا أصل لها يضاهيها - يجوز له حينئذ العمل بالأصوب عنده، واللائق بطريق الاستطلاح، وهذا صعب لا يستجرئ عليه متدين، ولو ساغ ما قاله مالك، لاتخذ الناس أيام كسرى أنوشروان في العدل والسياسة معتبرهم، وهذا ممنوع، وتجرؤ على الانحلال عن الدين بالكلية.
وقد اعتمد ذلك في أقضية الصحابة - مع أنه لا يشق غبار فيها على أمور كان ينبغي له أن يتناولها:
فبلغه أن رجلاً مد يده إلى لحية عمر - رضي الله عنه - ليزيل شيئًا منها، فخشى عمر - رضي الله عنه - أن ذلك قصد به الاستهانة للأئمة.
فقال: إن لم ترني ما أحدثت، وإلا أبنت يدك.
فجعل مالك هذا أصلاً في إباحة الدماء بالنظر المصلحى، وبلغه عن عمر - رضي الله عنه - أنه شاطر عماله، فجعل ذلك أصلاً في استباحة الأموال بالنظر المصلحي.