وكان ينبغي له أن يؤول الأول، بأن مقصود عمر التعزير بالقول، دون تحقق الفعل، ويؤول الثاني، بأنه اطلع من عماله على أنهم تناولوا من بيت المال ما يستحقونه، وعمر - رضي الله عنه - أجل من أن يخفى عليه ذلك، وهم لم يكونوا معصومين.
قلت: أما قوله: (يصير العقلاء أنبياء)، إن أراد أنهم ورثتهم، فهو حق، وإن أراد أنهم يحكمون بالهوى، والعقل المحض، فلا نسلم أن الأنبياء كذلك، فلا معنى لهذا الكلام.
وأما قوله: العالم بالسياسة إذا أخبره المفتون بعدم الأصول، فيكون له الأخذ برأيه.
قلنا: لا يلزم ذلك؛ فإن مالكًا يشترط في المصلحة أهلية الاجتهاد؛ ليكون الناظر متكيفًا بأخلاق الشريعة، فينبو عقله وطبعه عما يخالفها، بخلاف العالم بالسياسات إذا كان جاهلاً بالأصول، فيكون بعيد الطبع عن أخلاق الشريعة، فيهجم على مخالفة أخلاق الشريعة من غير شعور.
وأما ما نقله من إباحة الدماء، والأموال بما قاله، فالمالكية لا يساعدونه على صحة هذا النقل عن مالكٍ.
وكذلك ما نقله عن الإمام في (البرهان) من أن مالكًا يجيز قتل ثلث الأمة لصلاح الثلثين.
المالكية ينكرون ذلك إنكارًا شديدًا، ولم يوجد ذلك في كتبهم، إنما هو في كتب المخالف لهم، ينقله عنهم، وهم لم يجدوه أصلاً.
وأما أخذ الأموال، ومصادرة العمال، فقد ذكر هذه المسألة أبو الوليد الطرطوشي، في كتابه ((سراج الملوك)، وقال:(إنما شاطر عمر عماله؛ لأنهم كانوا يتجرون بجاه العمل، والجاه للمسلمين)، فصار أصل المال