للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: (التمسك باستصحاب الأصل كافٍ فأي حاجةٍ إلى هذا التطويل؟):

قلت: المناظر تلو المجتهد، ومعلوم أن المجتهد لا يجوز له التمسك باستصحاب حكم الأصل، إلا إذا بحث واجتهد في طلب هذه الأدلة المغيرة.

فإذا لم يجد في الواقعة شيئًا منها، حل له فيما بينه وبين الله تعالى: أن يحكم بمقتضى الاستصحاب، فأما قبل البحث عن وجود هذه الدلائل المغيرة، فلا يجوز له التمسك بالاستصحاب أصلاً، فلما ثبت أن الأمر في المجتهد كذلك، وجب أن يكون في حق المناظر كذلك؛ لأنه لا معنى للمناظرة المشروعة إلا بيان وجه الاجتهاد.

وأما الجواب عن السؤال الثاني فهو: أن الاستدلال بعدم المثبت أولى من الاستدلال بعدم النافي على الوجود؛ وبيانه من وجوهٍ:

أحدها: أنا لو استدللنا بعدم المثبت على العدم، لزمنا عدم مالا نهاية له؛ وذلك غير ممتنعٍ، أما لو استدللنا بعدم النافي على الوجود، لزمنا إثبات ما لا نهاية له؛ وهو محال.

وثانيها: أنا نستدل بعدم ظهور المعجز على يد الإنسان، على أنه ليس بنبي، ولا نستدل بعدم ما يدل على أنه ليس برسولٍ، على كونه رسولاً.

وثالثها: أنه لا يقال: (إن فلانًا ما نهاني عن التصرف في ماله؛ فأكون مأذونًا في التصرف) ويقال: (إنه لم يأذن لي في التصرف في ماله؛ فأكون ممنوعًا).

ورابعها: أن دليل كل شيءٍ على حسب ما يليق به؛ فدليل العدم العدم، ودليل الوجود الوجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>