أقول: ظاهر كلامه يقتضى أن معنى الحرف الذي هو مسماه لا يستقل بإفادة معلوم، وهذا ينفى المعلوم مطلقا كان تصورا أو تصديقا، ونعن نعلم بالضرورة أن معنى (ليت) يحصل في أنفسنا معلوما، وهو تعلق الأمل، وكذلك معنى (حتى) الذي هو الغاية يحصل في أنفسنا معلوما، وهو نهاية الشيء وطرفه، وكذلك جميع الحروف، فيؤدى كلامه إلى أن يخرج جميع الحروف من حد الحرف، هذا إن أراد مطلق المعلوم، كما هو ظاهر لفظه، وإن أراد معلوما تصديقيا، فمسلم أن الحرف لا يفيد ذلك، لكن الفعل والاسم أيضا كذلك لا يفيد واحدا منهما إلا التصور، ولا يفيد تصديقيا ألبتة إلا في ألفاظ يسيرة من الأسماء، نحو لفظ الخبر والكلام والقصة والبيان، ونحوها من الألفاظ التي وضعتها العرب للجملة المفيدة، فإن لفظ الخبر لم تضعه العرب إلا لكلام مفيد، فمعناه يفيد معلوما تصديقيا، وعلى هذا تدخل الأفعال، وغالب الأسماء في حد الحرف، وعلى التقديرين يبطل كلامه، سواء أراد معلوما تصديقيا أو تصويريا، وليس لنا معلوما غيرهما.
الثاني: على قوله: (إن دل على الزمان المعين لمعناه، فهو الفعل).
أقول: والتعيين ظاهر في التشخيص الذي يختص بفرد معين، تكون نسبته للأزمان، كنسبة زيد للأشخاص، وليس لنا فعل وضع يدل على زمان شخصي، بل يدل على النوع دون الشخص؛ فإذن الفعل الماضي يدل على أن الفعل وقع في نوع الزمن الماضي، ولا يعين فردا منه، والمضارع وإن دل على الحال، والحال هو الزمن الفرد الحاضر الذي لا يتعدد، لكنه في أصل الوضع لم يوضع إلا لنوع الحال وزمن الحال يرد نوعه على الوجود فردا بعد فرد، فقد يشخص بالاتفاق لا بأصل الوضع، ثم إن كلامه في مطلق الفعل، فلا يكفي فعل الحال في تصحيح كلامه.