ورابعها: أن الاشتراك يخل بفهم القائل والسامع؛ وذلك يقتضي ألا يكون موضوعا.
بيان أنه يقتضى الخلل في الفهم: أما في حق السامع، فمن وجهتين:
الأول: أن الغرض من الكلام حصول الفهم، وهو غير حاصل في المشترك؛ لتردد الذهن بين مفهوماته.
الثاني: أن سامع اللفظ المشترك ربما يتعذر عليه الاستكشاف؛ إما لأنه يهاب المتكلم، أو لأنه يستنكف عن السؤال، وإذا لم يستكشف، فربما حمله على غير المراد، فيقع في الجهل، ثم ربما ذكره لغيره، فيصير ذلك سببا لجهل جمع كثير؛ ولهذا قال أصحاب المنطق: إن السبب الأعظم في وقوع الأغلاط حصول اللفظ المشترك.
وأما في حق القائل؛ فلأن الإنسان إذا تلفظ باللفظ المشترك، احتاج في تفسيره إلى أن يذكره باسمه المفرد، فيقع تلفظه باللفظ المشترك عبئا، ولأنه ربما ظن أن السامع متنبه للقرينة الدالة على تعيين المراد، مع أن السامع لم يتنبه له، فيحصل الضرر؛ كمن قال لعبده: أعط الفقير عينا، على ظن أنه يفهم أن مراده الماء، ثم إنه يعطيه الذهب، فيتضرر السيد به.
فثبت بهذه الوجوه: أن الاشتراك منشأ للمفاسد، فهذه المفاسد إن لم تقتض امتناع الوضع، فلا أقل من اقتضاء المرجوحية.
وخامسها: أن الإنسان مضطر في بقائه إلى استعمال المفردات، ولا حاجة به إلى المشترك، فيكون المفرد أغلب في الوجود، وفي الظن.