واحد، والجناية محرمة، والعقوبة مباحة، والتحريم ضد الإباحة، والتحريم هو السيئة في عرف الشرع، فتسمية القصاص سيئة إطلاق لأحد الضدين على الآخر، وفي هذه الآية ونحوها أربعة طرق، يحتمل أن اللفظ حقيقة فيها تغليبا للغة؛ لأن القصاص يسوء الجاني، كما ساءت الجناية المجني عليه، وإذا قلنا: إنه مجاز فثلاثة طرق ما تقدم، ومن مجاز التشبيه كما قرره في الكتاب، ومن باب إطلاق لفظ السبب على المسبب؛ لأن الجناية سبب العقوبة.
قوله:(تسمية الجزء باسم الكل كإطلاق اللفظ العام، ويراد الخاص).
قلنا: صيغ العموم ليس مدلولها كلا بل كلية، وقد تقدم الفرق بينهما أن الكل هو المجموع، والكلية هي القضاء على واحد واحد بحيث لا يبقى واحد، وأن مدلول العموم لو كان الكل لتعذر الاستدلال به في النفي والنهى على ثبوت حكمه بجزء من جزئياته، فإنه لا يلزم من النهى عن المجموع النهى عن فرد معين منه، وكذلك النفي، لا يلزم من نفي المجموع نفي أجزائه كلها، فإذا قلنا: لا يقتل مجموع النفوس جاز قتل الألف منه، فإذا كان هذا هو مدلول قوله تعالى:(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)[الإسراء: ٣٣]، فيجوز قتل كل من على وجه الأرض، ولا يعصى لبقاء بعض آخر، وهو الماضي؛ أو المستقبل من النفوس ويكون قولنا: لا رجل في الدار معناه: ليس المجموع في الدار، فيجوز أن يكون في الدار آلاف، إذا تقرر أن مدلول العموم كلية لا كل لا يكون الخصوص جزءا، فلا يكون إطلاق العموم لإرادة الخصوص من باب إطلاق لفظ الكل على الجزء، بل ذلك كقوله- عليه السلام- حكاية عن الله تعالى:(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين).