فقال بعضهم وهو أكثرهم: أصل الترتيب في المخبر عنه، واستعمل هاهنا مجازا في ترتيب الخبر.
وقال الأقلون وهم المحققون: يلزم على هذا تراخي الكلام المتأخر عن الكلام المتقدم، والآيات نزلت جملة واحدة، وبيت الشعر أنشد جملة واحدة.
بل الصحيح أن هذا من مجاز التشبيه، وأن الرتبة العالية تشبه بالبعيد في الزمان، فشبه البعد بين الرتب بالبعد بين الأزمان، والتراخي بالتراخي، فيصير معنى الآية: أن أمر الملائكة في السجود لآدم كان أعظم في التشريف والتكريم من نفس الخلق والتصوير، ومرتبة الإيمان أشرف من رتبة العتق والإطعام، وسيادة الأب كانت أعظم من سيادة الابن، وسيادة الجد كانت أعظم من سيادة الأب.
وهذا معنى جميل مقصود للبلغاء، فيتعين الحمل عليه لعظم فائدته، وجلالة معناه، وعلى كلا المذهبين تكون (ثم) مستعملة في غير موضعها، إما في الخبر دون المخبر عنه كما قال الأولون، وإما في الترتيب، وهي لم توضع إلا للتراخي في الزمان، فيكون هذا مجازا في المفرد، ثم أسندت وركبت مع ما يصلح أن تركب معه، فإن تركبت (ثم) مع القول، وبقية النظائر ليس على خلاف الوضع اللغوي في التركيب.
وكذلك (بل) وضعت للإضراب عن المخبر عنه، فإذا قلت: قام زيد بل عمرو، أبطلت قيام زيد، وأثبت القيام لعمرو، وقد يستعمل الإضراب عن الخبر دون المخبر عنه، كما قال الله تعالى:{بل إدارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون}] النمل ٦٦ [فإن المعنى المتقدم على (بل) لم يضرب عنه، بل قال العلماء: معناه يكفي من الإخبار عن هذا