فعلم أنها انتقدت عليه التشبيه، وخشي من شده هجوها، فقال لها: خذي ناقتي هذه، ولا تحدثي بذلك أحدا، فردت إليه ناقته، ووعدته بكتمانها، وما جاء انتقادها عليه إلا من وجهة أنها عممت، أما لو أنصفته في التشبيه، وخصصته بحلاوة الغزالة؛ لا ندفع تشنيعها عنه.
قوله:(لا نمنع أن نقول: فلان كالأسد عند عدم السماع، ويفهم المقصود).
قلنا: ليس النزاع بين الفريقين في فهم المقصود، إنما النزاع في أنه مجاز عربي أم لا؟ كما أنا لو قلنا: إن قائم زيدا فهم المقصود، ورجل في الدار فهم المقصود، ولا يكون كلاما عربيا حتى نقول: إن زيدا قائم، وفي الدار رجل.
وقوله:(يقصد بحذف الكاف التخفيف، والمبالغة).
قال الأدباء: أصل التشبيه زيد كالأسد، وفي الرتبة الثانية زيد الأسد، وفي الرتبة الثالثة الأسد كزيد، وفي الرتبة الرابعة الأسد زيد.
ووجه المبالغة: أن مع حذف الكاف جعل زيد نفس الأسد، وهو أبلغ من الأسد به؛ لأن المشبه أقصر رتبة من المشبه به، ثم إذا عكسنا القضية صيرنا الأسد يشبه زيدا، فهو أبلغ في شجاعة زيد، ومن هذا الباب مكان ورد في السنة الصحيحة في (مسلم)، وغيره ظل يجهله كثر من غلاة الصوفية فيه، واعتقدوا الاتحاد في حق الله تعالى، وفي حق صفاته العلا، وهو قوله- عليه السلام- حكاية عن الله تعال:(ما تقرب إلى أحد بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها).
فقال أهل الضلال: أخبر الله- تعالى- أن ذاته- تعالى- تصير صفات العبيد.