جسم حي، أو من حيث إنه شكل آدمي، بل لاحظ كونه إنسانا ناطقا ذا نفس إنسانية، فإنه لا يعتقد أن زيدا غير إنسان ناطق.
وأما أنه لاحظ المشترك بين أطوار شكله، فإن الشكل هو أولى بالوضع، لكونه المرئي المعلوم حسا، والنفس إنما هي معلومة بالعقل والعادة، وكذلك إنه إذا أراد أن يعلم أنه زيد أم لا؟ نظر في صفحات وجهه، فإن وجد ما عهده من الشكل قال: هو زيد، وإلا فلا، ولا يقال: إنه وضع للشكل الموجود عند الولادة؛ لأن ذلك الشكل ورد عليه التحلل بسبب ما في جسده من الحرارة، والرطوبة، ومتى اجتمعت الحرارة والرطوبة حللت الحرارة الرطوبة في مجرى العادة، فبدن الإنسان دائما في تحليل لحمه، وعظمه وعصبه، وسائر أجزائه، والغذاء يخلف ما تحلل في جسده، فهو كل يوم في مصروف، ومقبوض، وبدل، ومبدل، فذهبت رأس الإنسان مرارا في عمره وهو لا يشعر، وكذلك جميع أجزائه، فالشكل الكائن عند الولادة ذهب، وأتى غيره مرارا كثيرة، فلا يمكن أن يقال: وضع زيد له، ولا يمكن أن يقال: أعرض عن الشكل بالكلية؛ لأنا لا نجزم بأنه زيد حتى نجد الشكل، فدل على أنه معتبر في التسمية، فتعين أن يكون العلم موضوعا للقدر المشترك بين جميع أطوار الشكل من الصغر، والكبر، والسمن، والهرم والاصفرار باليرقان، والسواد بغلبة السواد، والبرص بغلبة البلغم، والجذام بتقطع الأطراف، وغير ذلك من العوارض التي لا تخل بقولنا: هو زيد، فإنا نسميه زيدا في جميع هذه الحالات، وما ذلك إلا أنا نلاحظ تخطيطا خاصا، وكيفية خاصة في محاسنه وأجزاء أعضائه، وارتسم في ذهننا أن له نسبة خاصة في أنفه وعينيه ووجهه، وأعضائه الأصلية، فمتى وجدنا ذلك من المشترك الذي امتاز به عن غيره، قلنا: هو زيد، ولو تغير منه ما تغير، وإن وجدنا قد مسخ قردا، وغير ذلك، أو كشط وجهه بحيث ذهب ذلك القدر الذي امتاز به طول عمره.