على أن (ما) ليست للنفي، بل إنما وضعت لمجموع النفي في المسكوت، والإثبات في المنطوق
وثالثها: أن عادة العرب إذا فارقت شيئا لا ترجع إليه، بدليل إذا قطعت النعوت بإضمار فعل، أو إضمار مبتدأ لا ترجع للنعت بعد ذلك، وهاهنا إذا قلنا: ما هو إلا درهم، فـ (إلا) إيجاب بعد النفي، فقد أعرضت عن النفي بدخولها في الإثبات الناشيء عن إلا، فلا تعطف بـ (لا)، لأن ذلك من أحكام النفي الذي أعرضت عنه، وإذا قلنا: إنما هو درهم لم يوجد موجب الإعراض عن النفي بعد (إنما)، فعطفت بـ (لا) لبقاء النفي غير مرجوع عنه، ويرد على هذا هذا أن العرب إذا عاملت صيغة من يعود الضمير على لفظه الذي هو الأصل، ثم جمعت الضمير باعتبار المعنى قد ترجع إلى ما أعرضت عنه بأعادته مفردا، كقوله تعالى:(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قريب، وإنهم ليصدونهم عن السبيل، ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال: ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين)[الزخرف:٣٦ - ٣٨]، فقد ذكر الضمير أولا مفردا، ثم مجموعا، ثم مفردا، فقد حصلت العودة بعد المفارقة فما اطردت القاعدة التي ذكرها، مع أن الجماعة من النحاة منعوا الإفراد في الضمير بعد الجمع طردا لتلك القاعدة، ومواضع في الكتاب العزيز ترد عليهم.
ورابعها: قالوا: هذا يتخرج على أن الاستثناء من النفي ليس إثباتا، فقولنا: ماهو إلا درهم ليس إثباتا للدرهم، وإذا لم يتحقق ثبوته امتنع العطف بـ (لا)؛ لأن (لا) لا يعطف بها إلا بعد الإثبات.
وقولنا: إنما هو درهم ليس فيه استثناء، بل الدرهم مثبت، فعطفنا عليه بـ (لا)، ونظير هذه المسألة في الإشكال قول النحاة: يجوز أنا زيدا لا ضارب، ويمتنع أنا زيدًا غير ضارب، وأجابوا بأن ضاربا هو العامل في زيد،