للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطورة الفتاوى المضللة والأفكار المنحرفة]

أيها الأحبة الكرام: إن مكمن الخطورة في فتاوى عصرنا المنحرفة والمضللة أنها سرعان ما تنتشر، وسرعان ما يعرفها ملايين من البشر بواسطة وسائل الإعلام الحديثة المسموعة والمرئية والمقروءة.

وإن مكمن الخطر كذلك ومصيبة المصائب أن الذين يتحكمون في أئمة الفكر في بلادنا، والذين يسيطرون على عقول الناس بما يملونه عليهم من آراء وأفكار، هذا الصنف من الناس عادةً ما يحاط بهالة من الدعاية، تستر كذبه وجهله وتغطي حقده الدفين على الإسلام، وعلى هذا الدين، وعادةً ما يحاط هؤلاء بهالة عجيبة من الدعاية والإعلان ليلوي هؤلاء الناس أعناق الناس إليهم، وليلفت أسماع الناس إليهم، فيرضخوا لفتاويهم ولكلماتهم، ويأبى الله جل وعلا إلا أن يقيض لهذا الدين من يحذر الناس من فتاوى هؤلاء ودعاويهم.

اعلموا أيها الناس: أن هذه الهالة، والدعايات، وهذا الإعلان لا يقرب أصحاب الفكر من قلوب الناس، ولا يجعل من جهلهم علماً، ولا يجعل من بعدهم عن قلوب الناس قرباً، "مثلهم كمثل الطبل الأجوف يسمع صوته من بعيد، وباطنه من الخيرات خالٍ".

نعم إنني أقدم بهذه المقدمة الطويلة لماذا؟ لأنه مما يدمي الضمائر الحية؛ ويمزقها أن ينبري أعداء ديننا في هذه الأيام، وعبيد الفكر الغربي لحرب هذا الإسلام حرباً صريحة وحرباً هوجاء، وأرى أن أعداء هذا الفكر -أي: الفكر الإسلامي- وأنصار هذا الفكر -أي: الفكر الغربي- راحوا ينفثون سمومهم على صفحات الجرائد، وعبر شاشات التلفاز، وعبر الإذاعات المسموعة في كل زمانٍ ومكانٍ، يريدون إسلاماً على أمزجتهم، يريدونه خاصاً على أهوائهم، وبما يمليه عليهم قادة الغرب من المستشرقين، والمبشرين، والشيوعيين، والعلمانيين، فتارةً يقولون: إننا لا نأخذ بآراء الفقهاء ولا بآراء المفسرين ولا بآراء العلماء، لا نأخذ إلا بالوحي من القرآن والسنة، فإن وافقتهم جدلاً على أن يتركوا آراء الفقهاء وآراء العلماء، والمفسرين، ويأخذوا بالقرآن والسنة، بعد فترة يقولون لك: إننا لا نأخذ بالسنة بكاملها؛ لأن فيها ما هو ضعيف ومردود وموضوع، ولا نأخذ إلا بالقرآن الكريم، فإذا ما ضيعوا السنة ولم يبق أمامهم إلا القرآن، قالوا لك بعد ذلك: إن القرآن قد نزل ليعالج أوضاع البيئة العربية في أرض الجزيرة، ولذا فإنه ينبغي أن نأخذ من القرآن ما يتفق مع روح عصرنا، وما يتمشى مع روح التطور والتحرر.

أضاعوا آراء الفقهاء، وأضاعوا السنة، وفي النهاية قالوا: لا بد أن نأخذ من القرآن ما يتفق مع روح عصرنا ومع روح مدنيتنا وتطورنا، آمنوا ببعض الكتاب وكفروا بالبعض الآخر.

فإن قلت لهم: إن القرآن الكريم قال: إن الخنزير رجس، ولقد وصفه القرآن الكريم بأنه رجس، لقالوا لك: لقد وصف القرآن الكريم الخنازير ولحومها بأنها رجس؛ لأن وصفه كان لخنازير في العصور المتخلفة، كانت خنازير سيئة التغذية، أما خنازير اليوم -وما أكثرها- فإنها خنازير متطورة ومتحضرة، ليست بالخنازير المتخلفة كخنازير العصور الماضية.

فإن قلت لهم: إن القرآن الذي تؤمنون به يقول: للذكر مثلُ حظِ الأنثيين في الميراث، قالوا لك: لقد قال القرآن ذلك في عصورٍ ماضية، قبل أن تخرج المرأة لميدان العمل، أما يوم أن خرجت المرأة لميدان العمل فقد أصبحت تساوي الرجل في كل شيء وهكذا.