الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! ذكرت لحضراتكم في أول اللقاء: أن ما وقع للأمة وقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير، ولن تعود الأمة إلى عزتها وسيادتها إلا وفق هذه السنن التي لا ينفع معها تعجل الأذكياء ولا وهم الأصفياء.
إذاً: محال أن ينصر الله عز وجل هذه الأمة -وأرجو أن تتقيدوا بالألفاظ- وهي خاذلة لدينه، بل لابد أن تنصر الأمة دين الله؛ لينصرها الله:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ}[الحج:٤٠]، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:٤٧]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور:٥٥] لابد من تحقيق هذه الشروط وهذه الضوابط، ومن ثم فإنه لابد أن نقف جميعاً على هذا المنهج العملي الواجب التنفيذ، وهذا هو عنصرنا الثالث والأخير من عناصر هذا اللقاء.
على الأمة أن تعود عوداً حميداً إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعودة للقرآن والسنة ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً، بل إنها عودة واجبة، بل إنها حدّ الإسلام وشرط الإيمان:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥].
إن الله لا ينصر أمة نحت شريعته، واستهزأت بسنة نبيه، وفتحت الباب على مصراعيه لأندية الليل التي حولت الليل نهاراً، وللخمر، ولبيوت الدعارة! إن الله لن ينصر أمة عزلت دين ربها وعزلت دين نبيها وانحرفت عن كتاب الله وعن سنة رسول الله.