[قتال المهدي لبلاد الروم]
المعركة الثالثة: هي الملحمة الكبرى التي وصف النبي أحداثها وصفاً دقيقاً، كأنه يحارب في هذا الجيش الذي يقود كتائبه المهدي عليه السلام، هذه الملحمة الكبرى التي سيقودها المهدي بعد السيطرة على بلاد العرب وعلى بلاد فارس هي قتال الروم، هي قتال أوروبا وأمريكا، وتلك هي الملحمة الكبرى، وهي أشد الملاحم وأعظمها على الإطلاق، وهي المعركة التي سماها بعض أهل العلم: معركة هرمجدون، والتي ستأتي بعد فترة الهدنة والمصالحة التي نحن فيها الآن، أي: فترة مصالحة بين المسلمين وبين الروم الآن، وبعدها سيقاتل المسلمون مع الروم -أي: أوروبا وأمريكا- عدواً واحداً، وهذا العدو ربما يكون العدو الشرقي سواء الشيوعي أو الشيعي، وينتصر المسلمون مع الروم في هذه المعركة، وفي طريق العودة يقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: انتصر الصليب، فيغار رجل من أهل الإيمان والإسلام فيقوم إلى هذا الرجل فيدفعه أو يقتله، فحينئذٍ يغدر الروم بالمسلمين، وتقع هذه الملحمة الكبرى التي أخبر عنها الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.
تدبر ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام! والحديث في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم في الأعماق أو بدابق) ودابق مدينة بالقرب من مدينة دمشق السورية، أي: مقر قيادة المهدي سيكون بمدينة بالقرب من دمشق، وستكون الملحمة في هذه الأرض في أرض المسلمين، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم -أي: الأمريكان والأروبيون- في الأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة بقيادة المهدي من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافوا -أي: للقتال- قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم) وقد تعجبون إن قلت لكم أن الذي سيشارك في فتح القسطنطينية وسيفتح الله عز وجل على يديه هذه المدينة هم مجموعة كبيرة من أهل الروم ممن أسلموا لله عز وجل، فسيسلم الروم في هذه المعارك بأعداد كبيرة جداً، وينضمون إلى كتائب التوحيد بقيادة المهدي عليه السلام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا؛ والله! لا نخلي بينكم وبين إخواننا) ولقد صاروا إخواناً لنا من المسلمين (فيقاتلونهم) تدبر ماذا يقول المصطفى في وصف دقيق عجيب: (فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً)، ينهزم ثلث من جيش المسلمين أي: من الفرَّار أو الكرَّار، والله أعلم بحالهم، يقول النبي في حقهم: (فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم) وتدبر ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق هذا الثلث الثاني: (هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث -أي: المتبقي- لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون -وليس رشاشاتهم- إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم -أي: المسيح الدجال قد خرج- فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج -أي: الدجال- فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فإذا رآه عدو الله -أي: إذا رأى الدجال عيسى ابن مريم- ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه -أي: لو ترك عيسى ابن مريم الدجالَ- لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته) أي: فيري عيسى ابن مريم المسلمين الذين معه دم المسيح الدجال في حربته، أي: على رأس حربته التي قتله بها.
والنبي عليه الصلاة والسلام يصف هذه المعركة وصفاً دقيقاً آخر، في رواية أخرى في صحيح مسلم عن يسير بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء في الكوفة، فجاء رجل ليس له عادة، أي: جاء على غير عادته، فقال: يا عبد الله بن مسعود! جاءت الساعة، جاءت الساعة، قال: فقعد عبد الله بن مسعود وكان متكئاً -انظروا إلى العلماء- فقال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، ثم قال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة).
وفسرت لفظة النبي التي في الحديث الأول: (ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً) بأن هذا الثلث ثلث يرتد، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً.
وكلام ابن مسعود رضي الله عنه له حكم الرفع؛ لأن هذه الأمور الغيبية لا يتكلم بها صحابي من عند نفسه، ولا يتكلم بكلام مثل هذا إلا وقد سمعه من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
يقول: (وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل) وهذه نقطة ثالثة تبين أن الليل سيوقف المعارك، ومن المعلوم أن معارك الطائرات والصواريخ لا يوقفها ليل ولا نهار، (فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء -أي: يرجع هؤلاء وهؤلاء- كل غير غالب) أي: أنها حرب سجال ليس فيها غلبة لأحد، (وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة) وهذا هو اليوم الثالث، يقول عليه الصلاة والسلام: (فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم -أي: الدائرة على أهل الكفر- فيقتتلون مقتلة لم يُر مثلها) هكذا يقول المصطفى، ولما يقول النبي: (لم ير مثلها) يعني: لم ير مثلها صلى الله عليه وسلم، (حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلصهم حتى يخر ميتاً، فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد) ولذلك يقول النبي: (فيقتتلون مقتلة لم يُر مثلها).
يقول: (فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدون بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقاسم، فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ: إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون، فيبعثون عشرة فوارس طليعة، إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح مسلم في أعلى درجات الصحة، يقول عليه الصلاة والسلام: (فيبعثون عشرة فوارس طليعة، إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ أو: من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ).
فيتبين لنا من خلال هذه الأحاديث التي ذكرتها من صحيح مسلم أن هذه المعركة العنيفة بين المسلمين وبين الروم والتي سميت بالملحمة الكبرى التي لم يُر مثلها -كما قال النبي عليه الصلاة والسلام- ستدور رحاها في بلاد المسلمين بالقرب من سوريا أو دمشق، يعني: بلاد الشام، بمكان يسمى الأعماق أو دابق، وهذا المكان سيكون فيه مقر قيادة المهدي عليه السلام.
وروى أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى) سماها النبي بالملحمة الكبرى، و (فسطاط المسلمين) يعني: مقر قيادة المسلمين (فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق) أي: أنه لم يكن على عهد النبي مدينة تُسمى دمشق أبداً، وهذه علامة من علامات النبوة، بل كل ما أذكره هو من علامات النبوة، يقول: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق، خير منازل المسلمين يومئذٍ)؛ لأنه يكون فيها كتائب المسلمين بقيادة المهدي عليه السلام، والحديث رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه على شرط الشيخين، وأقر الحاكم الذهبي والألباني في صحيح الجامع.
إذاً: الروم حينما يجمعون ويأتون المسلمين تحت ثمانين غاية أو تحت ثمانين راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفاً كما ذكر المصطفى، يقولون للمسلمين: (خلو بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون للروم: لا، والله! لا نخلي بينكم وبين إخواننا)، وهذا يدل كما ذكرت على أن كثيراً من نصارى أوروبا وأمريكا سيسلمون بعد موقعة هرمجدون، وسيدخلون في دين الله أفواجاً، فيريد الروم أن يبدءوا المعارك مع المسلمين بالانتقام من هؤلاء الذين تركوا معسكرهم وأسلموا لله عز وجل، وتبدأ المعركة التي قال النبي في حقها: (فيقتتلون مقتلة عظيمة لم ير مثلها)، وينصر الله عز وجل في هذه المعركة المهدي عليه السلام وكتائب جيش التوحيد.