أيها الأحباب! إن الذي يعرف الله ويخشى عذابه ويستحيي منه -حتى ولو زلت قدمه في المعصية، فارتكب كبيرة من الكبائر في حال ضعف بشري منه، أو وقع في صغيرة من الصغائر، أو بارز الله بمعصية من المعاصي- سرعان ما يجدد التوبة والأوبة والندم، وسرعان ما يطرح قلبه بين يدي الله بذل وانكسار، وهو يعترف لله بفقره وعجزه وضعفه.
فعلى قدر علمك بالله يكون حياؤك وخوفك منه، يقول المصطفى:(أنا أعلمكم بالله، وأشدكم له خشية)، لذا (كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المِرجل من البكاء)، وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
بل وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال:(بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء، فخطب فقال: عرضت علي الجنة والنار -خطبة ما سمعت مثلها قط- إلى أن قال: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا).
يقول أنس:(فغطى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين) أي: ولهم بكاء بصوت مكتوم.
عندما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:(والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً)، تأثر أصحاب القلوب الرقيقة من أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الكلمات على الرغم من قلتها.
بل وورد في مسند أحمد وسنن الترمذي بسند صحيح بالشواهد من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً:(كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن -أي: صاحب الصور وهو إسرافيل- القرن، وأصغى سمعه وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر أن ينفخ؟ فشق ذلك على أصحاب البشير النذير صلى الله عليه وسلم، فقالوا للمصطفى: فماذا نقول يا رسول الله؟! فقال لهم: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل).