للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعادة في الإسلام الحق]

كنت في زيارة قبل أربعة أشهر لمركز من المراكز الإسلامية في لوس أنجلوس، بولاية كليفورنيا، ودخل علينا في المركز أمريكيٌ يريد أن يُسلِم لله جل وعلا، فسألناه: ما سبب إسلامك؟ وكان من المنطقي كما اعتدنا أن يقول: قرأت عن الإسلام كثيراً وكثيراً، فعلمت يقيناً أن الإسلام هو دين الحق، ولكن الرجل ذكر سبباً غريباً -أيها الأحباب الكرام- فماذا قال؟ قال: أنا رجل أملك من الأموال الكثير والكثير، وعندي من الشركات الكثير، ولكني ما ذقت طعم السعادة أبداً، يقول: ففكر أكثر من مرة في أن ينتحر، وأن يتخلص من هذه الحياة، يقول: وعندي في إحدى شركاتي موظف مسلم، ما من مرة دخلت عليه إلا ورأيت البسمة على وجهه، والسعادة في نفسه وقلبه، فتعجبت له، واقتربت منه، وقلت له: يا هذا! ما من مرة دخلت عليك إلا ورأيتك سعيداً مبتسماً، وأنا صاحب هذه الشركة ما ذقت طعم السعادة، فقال له هذا الموظف التقي النقي: لأنني مسلم، قال: وهل المسلمون يشعرون بالسعادة؟ قال له: نعم.

وإن ابتلاهم الله عز وجل؛ لأن النبي قد علمنا في حديث رواه مسلم من حديث صهيب: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) فقال الأمريكي: فهل لو دخلت في إسلامك الذي أنت فيه سأشعر بالسعادة؟ قال: نعم، قال: دلني على الإسلام، فجاء به إلى المركز الإسلامي ليعلن إسلامه، فاغتسل الرجل ووقف في وسط المركز، ووالله -يا إخوة- بمجرد ما نطق لسانه بالشهادتين حتى بكى بكاءً (هستيرياً) طويلاً فتركناه، فلما هدأت نفسه واستقرت جوارحه، اقتربنا منه وسألناه: لماذا بكيت هذا البكاء الطويل؟ فقال بالحرف الواحد ترجمة لقوله: أشعر الآن بسعادة في قلبي ما ذقت طعمها قبل اليوم، ألم يقل ربك: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] ألم يقل ربك: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٣ - ١٢٤] إن السعادة الحقيقية واللذة الحقيقية هي أن يردد لسانك: لا إله إلا الله، ترددها بقلب يعرف حقيقة هذه الكلمات وحقيقة الإيمان، بجوارح لا تحس باللذة ولا بالخشوع إلا في طاعة الملك الرحمن جل وعلا.

أيها الأحبة الكرام: إن السعادة الحقيقية في الإسلام، والله لا سعادة إلا في الإسلام وبالإسلام، وأن تعيش للإسلام وعلى الإسلام وبالإسلام، الإسلام الذي حقق السعادة للعالم يوم أن حقق المسلمون الإسلام على أرض الواقع إلى منهج حياة، يوم أن حول المسلمون الإسلام إلى منهج حياة، حقق الإسلام السعادة لا للمسلمين الذين طبقوه، بل لليهود والنصارى الذين عاشوا في كنف الإسلام وتحت مظلة الحكم الإسلامي، اقرءوا التاريخ يا أيها الخيار الكرام.

الإسلام دين الأمن والأمان، دين العدل والرحمة، هذا يهودي يقف أمام القاضي شريح إلى جوار أمير المؤمنين علي، فيقول القاضي شريح: ما القضية؟ فيقول علي بن أبي طالب: الدرع الذي مع هذا اليهودي درعي، ولم أبع ولم أهب.

فيقول شريح لليهودي: ما ردك على كلام أمير المؤمنين؟ فيقول اليهودي: الدرع درعي، وليس أمير المؤمنين عندي بكاذب.

فيقول القاضي لـ علي: هل من بينة يا أمير المؤمنين! فإن البينة على المدعي واليمين على من أنكر؟ فيقول علي: لا.

جزاك الله خيراً يا شريح، ليس عندي من بينة.

فيقضي شريح بالدرع لليهودي، وهو درع أمير المؤمنين علي، فيأخذ اليهودي الدرع وينصرف، ويفكر في هذه العظمة ويقول: ما هذا؟ أنا مع أمير المؤمنين أمام قاضي المسلمين، ويقضي القاضي بالدرع لي وهو درع أمير المؤمنين، والله إنها لأخلاق الأنبياء، ويرجع اليهودي أمام علي وأمام القاضي، ويقول: يا أمير المؤمنين! الدرع درعك سقطت من بعيرك فأخذتها، وإني الآن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول علي: أما وقد أسلمت، فالدرع هدية مني لك.

وهذا قبطي من أهل مصر يسبق ابن حاكم مصر محمد بن عمرو بن العاص، فلما سبق القبطي ولد حاكم مصر نزل محمد بن عمرو وضرب القبطي، وهو يقول: خذها وأنا ابن الأكرمين، كيف تسبقني وأنا ابن الأكرمين؟ وكان هذا القبطي يحمل -بلغة العصر- حساً سياسياً عجيباً، فانصرف إلى المدينة المنورة، إلى الأسد القابع هنالك في عرينه، إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: [ما القصة؟ فأخبره، فقال: اجلس، وكتب كتاباً لـ عمرو بن العاص يقول فيه: إن انتهيت من قراءة كتابي هذا فاركب إليَّ مع ولدك محمد والسلام].

وجاء عمرو بن العاص، ومن خلفه ولده محمد، فقال عمر: [أين القبطي؟].

قال: هأنذا يا أمير المؤمنين.

فأعطى عمر القبطي الدِرة -بكسر الدال لا بضمها- وقال له: [اضرب ابن الأكرمين] فضرب القبطي ابن حاكم مصر أمام عمر، ثم قال عمر: [أدر الدرة على صلعة عمرو، فوالله ما تجرأ عليك ولده إلا لسلطان أبيه].

فقال القبطي: جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، لقد ضربت من ضربني.

فقال عمر بن الخطاب: [والله لو ضربت عمراً ما حلت بينك وبين ذلك] ثم التفت عمر إلى عمرو ليقول قولته الخالدة: [يا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً].

هذا هو الإسلام -أيها الأحبة- الذي حقق الأمان لا للمسلمين الذين طبقوه فقط، بل لليهود والنصارى الذين عاشوا في كنفه.

ومن الظلم الآن أن نحكم على الإسلام من خلال واقع المسلمين، فإن الإسلام مظلوم بسبب المسلمين الذين ابتعدوا عنه كثيراً كثيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله! أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.