أيها الإخوة! لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا الشرف في معاملته مع الأعداء، فقد روى مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:(ما منعني أن أشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن المشركين قد أخذونا وقالوا: أتريدون محمداً؟ قال حذيفة: فقلت: لا.
قال حذيفة: فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة وألا نشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال المشركون وبما قلت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انصرفا -يعني: لا تشهدا معنا المعركة- نفي للمشركين بعهدهم ونستعين الله عليهم)، هذا هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحباب! وأختم بهذا الموقف الرقيق، لأنني لو جلست إلى الفجر ما انتهيت؛ لأننا نتحدث عن منهج تربوي كامل، أختم بهذا المشهد الوضيء، ففي سنن النسائي وأبي داود بسند صحيح: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتى يوم فتح مكة بـ عبد الله بن سعد بن أبي السرح ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه، وأمر الصحابة أن يقتلوه في أي مكان وجدوه ولو كان معلقاً بأستار الكعبة.
فجاء به عثمان بن عفان فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد عثمان وعبد الله بن سعد أمام عينيه وبين يديه، وإذا بـ عثمان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: بايعه يا رسول الله! فغض النبي صلى الله عليه وسلم الطرف عن عبد الله بن سعد وسكت ولم يرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال عثمان ثانية: بايعه يا رسول الله! فلم يمد النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال عثمان ثالثة: بايعه يا رسول الله! وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحيي من عثمان؛ لأن عثمان رجل تستحي منه الملائكة، فقال عثمان في الثالثة: بايعه يا رسول الله! فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده فبايع عبد الله بن سعد ثم انصرف والنبي صلى الله عليه وسلم غاضب حزين، فالتفت النبي إلى أصحابه وقال:(أوما كان فيكم رجل رشيد يراني قد كففت يدي عن بيعته؛ فيقوم إليه ليقتله، فقال الصحابة: هلا أومأت إلينا بعينك يا رسول الله! فرد النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين)، يعلمنا الصدق حتى في النظرة، لا في القول والفعل والاعتقاد فحسب، بل حتى في النظرة.