[حسن الخاتمة والفوز بالجنة]
ومن أعظم ثمار المداومة على العمل الصالح، أنها سبب لحسن الخاتمة والفوز بالجنة، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة.
كيف ذلك؟! يقول الحافظ ابن كثير: لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه؛ فإن عشت على طاعة وعلى عمل صالح اقتضى عدل الله أن يتوفاك على ذات الطاعة ونفس العمل الصالح، فإن مت على هذه الطاعة بعثت على ذات الطاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث جابر: (يبعث كل عبد على ما مات عليه).
ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه الترمذي وأحمد وهو حديث صحيح: (إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه).
اللهم استعملنا لطاعتك يا رب العالمين! هذا هو الاستعمال: إذا وفقت للعمل الصالح وداومت عليه، قبضت على هذا العمل الصالح وعلى نفس الطاعة، وبعثت على نفس الطاعة.
ومن أعجب ما سمعت في الأسبوع الماضي: قصة طفل صغير لا يجاوز العاشرة من عمره: لما ذهبت إلى القاهرة في خطبة جمعة رأيت هذا الطفل بين يدي إلى جوار المنبر، فتعلقت به وتعرفت عليه، وفي الجمعة الماضية أقبل علي والده يبكي، فقلت له: أين ولدك؟! فبكى، قلت: سبحان الله! ما الذي حدث؟! قال: مات! قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أسأل الله عز وجل أن يعوضك خيراً، وأن يجعله فرطاً لك على الحوض، فقال لي: والله يا شيخ! أنا ما أبكي لفراقه، وإنما أبكي لحاله، فلقد رأينا منه عجباً عجاباً.
هذا الطفل الصغير رأى الإخوة الكبار العجب العجاب في حياته؛ فقد كان يأخذ مصروفه فيشتري شريطاً، ويسمع الشريط ثم يعيره لبعض إخوانه، ويأخذ جزءاً من مصروفه فيضعه في صندوق المسجد، ويشتري بالجزء الآخر قدراً من الحلوى ليوزعه على الفقراء، سبحان الله! وفي اليوم الكريم المبارك في أول جمعة من شهر رمضان اغتسل في بيته وقال لهم: أريد أن أخرج مبكراً حتى أكون في أول الصفوف في صلاة الجمعة، ولبس ثوباً أبيض جميلاً وتطيب وتعطر، وهو في طريقه إلى المسجد ينزل من السيارة وبينه وبين باب المسجد أمتار، فتأتي سيارة أخرى لتصدمه في الحال، فيُحمل وهو في غيبوبة الموت إلى المستشفى، وقرر الأطباء أن الطفل يحتضر، وأنه بالفعل في غيبوبة الموت.
ولما هم الطبيب أن ينصرف وقبل أن يخرج من غرفة العمليات أو من غرفة العناية المركزة، إذا بالأذان يرفع على المآذن للمساجد القريبة من المستشفى، إنه أذان الجمعة، فلتفتت الأنظار إلى هذا الطفل العجيب حينما رفع يديه وأشار بسبابته إلى السماء، بعد أن عجز لسانه أن يردد (لا إله إلا الله) فتحرك القلب في صدره فأصدر الأوامر إلى هذه الجلود والأعضاء، فارتفعت اليد وأشارت السبابة بإعلان توحيد الله إنها الخاتمة! إنها الخواتيم يا عباد الله.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة.
عباد الله: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم).
ويقول الله جل وعلا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧].
وقال جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩]، اللهم اجعلنا من المحسنين يا رب العالمين! (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا)، يا من جاهدت نفسك!.
يا من صبّرت نفسك على طريق الطاعة وصبرت نفسك عن المعصية! اعلم أن موعود الله أن يهديك السبيل، وأن يثبتك ويسددك على الطريق، وأن يكون معك؛ لأنك حينئذٍ ستكون مع المحسنين، والمحسن: هو الذي يعبد الله كأنه يراه، وهو يعلم يقيناً أنه إن لم ير الله فإن الله جل وعلا يراه (ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).