المرحلة الثانية: كانت في عهد أبي بكر رضي الله عنه، لما وقعت معركة اليمامة بين مسيلمة الكذاب وبين الصحابة قتل في هذه المعركة عدد هائل من الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن في صدورهم، فجاء الملهم عمر رضوان الله عليه إلى الصديق أبي بكر، وقال عمر للصديق: يا أبا بكر! يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! اجمع القرآن في صحف، فقال الصديق الذي كان مثالاً في الإخلاص والاتباع: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ لا.
فقال عمر: هذا والله خير -والحديث في صحيح البخاري - قال الصديق: فما زال عمر يراجعني، أي: بجمع القرآن في الصحف، حتى شرح الله صدري لقول عمر، فأرسل إلى زيد بن ثابت رضوان الله عليه، فقال الصديق لـ زيد: يا زيد! إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك.
انظروا يا شباب الإسلام إلى شباب الصحابة، فـ زيد بن ثابت كان شاباً في ريعان شبابه، واختاره النبي كاتباً من كتاب الوحي، بل سماه البخاري كاتب النبي، يا لها من كرامة! (إنك شاب عاقل لا نتهمك، فتتبع القرآن فاجمعه).
قال زيد:(والله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن) انظروا إلى أصحاب الهمم العالية الذين يقدرون المسئوليات الضخام الجسام، قال: والله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قال: فتتبعت القرآن فجمعته من اللخاف، أي: من الحجارة الرقيقة، والعسب، أي: جريد النخل، وصدور الرجال، وجمع القرآن في صحف ضخمة عديدة، وانتقلت هذه الصحف إلى بيت الصديق رضي الله عنه، فلما توفي أبو بكر انتقلت الصحف إلى بيت عمر رضي الله عنه، فلما توفي عمر رضوان الله عليه انتقلت الصحف إلى بيت أم المؤمنين حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.