أما الجنة، فلا يعلم ما أعد فيها من كرامة للمؤمنين إلا العزيز الغفار، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة؛ لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، وريحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين).
ويكفي أن تقف مع أدنى -أي: أقل- أهل الجنة منزلة؛ لتعلم قدر أعلى أهل الجنة منزلة، ففي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سأل موسى ربه جل وعلا فقال: يا رب! ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال الله تعالى: أدنى أهل الجنة منزلة رجل يجيء وقد دخل أهل الجنة الجنة فيقول الله عز وجل له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب! كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟! -يخيل إليه أن الجنة ملأى، حتى لا يرى لنفسه مكاناً في الجنة- فيقول الله جل وعلا له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب! فيقول الله جل وعلا: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول العبد في الخامسة: رضيت يا رب! رضيت يا رب! فيقول الرب سبحانه: لك ذلك وعشرة أمثاله معه.
قال موسى: يا رب! هذا أدنى أهل الجنة منزلة، فما أعلاهم منزلة؟ قال الله: أولئك الذي أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر).
وإن أعلى نعيم في الجنة -أيها المسلمون- هو النظر إلى وجه الله جل وعلا:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣].
ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك! فيقول الله سبحانه: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة، ونجيتنا من النار، وبيضت وجوهنا يوم تسود الوجوه؟! فيقول الله تعالى: أفلا أعطيكم أفضل من ذلكم؟ فيقول أهل الجنة: وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا).
وفى رواية أبي سعيد:(فيكشف الحجاب؛ فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى وجه الله جل وعلا) قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى}[يونس:٢٦] وهي الجنة، (وزيادة) وهي التمتع بالنظر إلى وجه الله جل وعلا في الجنة، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.