للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[كيفية الحشر]

كيف يحشر الناس إلي أرض المحشر من القبور؟! هذا هو عنصرنا الثاني، فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب! يخرج الناس من القبور (حفاةً عراةً غُرْلاً) كما قال المصطفى في صحيح مسلم من حديث عائشة: (يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غُرلاً، قالت عائشة: يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: يا عائشة! الأمر أشد من أن يهمهم ذلك).

يخرجون من القبور وهم بهذا العري والذل والهوان! قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:٤١ - ٤٤].

يسير على الله، فليس عند الله شيء عسير، يسير على الله أن يحشرهم من يوم أن خلق آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يتخلف أحد ولا يمتنع أحد، كيف ذلك؟! وهو الذي يقول سبحانه: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف:٤٧].

حشر الله الخلق جميعاً ولا يتخلف مَلِك، ولا يتكبر حاكم، أو زعيم، ولا يتعنت طاغوت أو متكبر أو طاغية، فلم نغادر منهم أحداً.

قال سبحانه وتعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:٩٣ - ٩٥].

لا يتخلف مخلوق، لقد أحصى الله الخلق من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة، فهم ينطلقون جميعاً وراء هذا الداعي الكريم الذي جاء ليقود الخلق جميعاً إلى أرض المحشر، ينطلقون خلفه ولا يتلفتون، ولا يتخلفون، ينطلقون صامتين مستسلمين خاشعين يعلوهم صمت رهيب، ويزلزل قلوبهم سكون غامر! الأبصار خاشعة، والوجوه عانية، وجلال الحي القيوم يغمر المكان والنفوس بالعظمة والهيبة والجلال! قال سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:١٠٨] صمتوا عن الكلام فلم يبق إلا الهمس والتخافت: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه:١٠٨ - ١١١]، وهل يستطيع مخلوق أن يتفلت أو يتخلف؟! وهل يملك طاغية أو ظالم أو زعيم أو حاكم أن يتعنت أو يتأخر، هل يستطيع؟! وقد وكل الله بكل إنسان ملكين يسوقانه سوقاً إلى أرض المحشر.

قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:١٩ - ٢٢].