أيها الإخوة! لا أنسى ذلك الرجل الحبيب العاقل حين كنت أعمل خطيباً لبيت من بيوت الله في مدينة القصيم، وجاء هذا الوالد الكريم وقال لي: يا شيخ محمد ولدي يحبك، قلت: الحمد لله، قال: وسآتي به لأول مرة لصلاة الجمعة في الجمعة المقبلة إن شاء الله، قلت: أهلاً وسهلاً به.
قال: ولكنني أحضرت هذه الهدية لتضعها في منبرك، فإذا أنهيت الخطبة سآتي به؛ لتسلم عليه، فأرجو منك أن تصافحه، وأن تقبله، وأن تدعو الله له، وأن تعطيه هذه الهدية ليزداد حباً لك ولبيت الله جل وعلا.
فَهم راقٍ انظر كيف يخطط الوالد لولده؟! كيف يغرس الوالد هذا الحب في قلب ولده بأسلوب يتناسب مع طفل.
وهذه المواقف -أيها الأحباب- لا ينساها أطفالنا أبداً، فكافئ ولدك بمكافأة؛ لأنه حفظ جزءاً من كتاب الله، فإنه لا ينسى أبداً هذه المكافأة، بل سيظل يحتفظ بها وهو في غاية السعادة.
اغرس في قلب ولدك حب العقيدة، فهذا خلق أسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس:(كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على حمار، فقال صلى الله عليه وسلم: يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
روى مسلم في صحيحه قال: حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب عن كهمس عن وكيع عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني -يعني كان أول من قال بنفي القدر في البصرة معبد الجهني - قال: فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر؟ قالا: فوقف لنا عبد الله بن عمر داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن -ينادي ابن عمر - إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم -أي يبحثون عن غوامض العلم وخوافيه ودقائق مسائله- ويزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف -أي: لا يعلم الله الأشياء إلا بعد وقوعها وحدوثها- فقال عبد الله بن عمر: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، فوالذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد) وساق الحديث بطوله.
والشاهد: قول عبد الله بن عمر: (حدثني أبي عمر عن رسول الله)، فهل قال ولدك: حدثني أبي عن فلان الصحابي عن رسول الله؟ هل جلست مع ولدك أيها الأخ الحبيب الفاضل؟! أولسنا نحفظ هذه الأحاديث يا إخوة؟! أولسنا نعرف هذا المنهج التربوي؟ أولسنا نقف على هذا الخلق العظيم في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للخلق؟