وشهد الأعداء لرسول الله -على الأقل بينهم وبين أنفسهم- بالصدق، والنبل، والرجولة، والأخلاق، والحق ما شهدت به الأعداء.
فهذا عروة بن مسعود الذي ذهب ليفاوض النبي في الحديبية لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ورأى أخلاقه ورأى حب الصحابة له عاد إلى قومه ليقول: يا قوم! والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما رأيت أصحاب محمد يعظّمون محمداً! لقد تعلقت قلوب أصحابه به لنبله وخلقه، بل إن الأعداء صدقوه وإن كانوا كذبوه كبراً وعناداً، كما قال تعالى:{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام:٣٣] قال عروة: والله ما تنخم محمد نخامة إلا ووقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده! ووالله ما توضأ إلا وكادوا يقتتلون على وضوئه! وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم وإذا أمرهم ابتدروا أمره، ولا يحدون الطرف إليه تعظيماً له وإجلالا!! إن الأمة الآن تتعامل مع هذه السيرة تعاملاً نظرياً ذهنياً، وتستمتع بالسيرة استمتاعاً سالباً!! ووالله ما كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ماضية، بل يجب أن تكون سيرته شعلة توقد شموس الحياة لنا، ويجب أن تكون سيرته دماءً تتدفق في عروق مستقبلنا وأجيالنا؛ لنحول هذه السيرة في حياتنا إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر هذا اللقاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.