[آية الإدناء]
أولاً: أدلة القرآن: ثانياً: الأدلة الشرعية من القرآن والسنة على وجوب الحجاب: الدليل الأول: آية الإدناء في سورة الأحزاب، ألا وهي قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} [الأحزاب:٥٩] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهل تعرف المرأة إلا من وجهها؟! {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً} [الأحزاب:٥٩] انتبهوا معي أيها الأحبة! وانتبهن معي أيتها الفضليات! لنتعرف على هذه الآية وعلى ما تحمله من أحكام عظيمة غابت عن كثير من المسلمين والمسلمات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٩] الأمر هنا من الله جل وعلا لزوجات النبي الطاهرات، وبنات النبي العفيفات، ونساء المؤمنين الصالحات القانتات.
إذاً: ليس الأمر هنا خاصاً بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن، كما هو واضح بمنطوق الآية ومفهومها أيضاً.
قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير آية الإدناء: أمر الله نساء المؤمنين -واحفظوا هذا القول لـ ابن عباس رضي الله عنه؛ لأنه قد افتري عليه قول آخر، وقد ادعي عليه ما لم يقله! وهو بريء منه كما سنرى بالأدلة وبطرق أهل الحديث إن شاء الله جل وعلا- قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجة: أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة) قلتُ: ليتعرفن بها على الطريق.
ويقوي هذا الإسناد ما صح عن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: قلت لـ عبيدة السلماني وعبيدة السلماني هو: التابعي الجليل الفقيه العلم الذي آمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم ينزل المدينة إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يزل عبيدة السلماني بالمدينة حتى توفاه الله جل وعلا، وأنا تعمدت أن أقول ذلك لتعلم أن عبيدة السلماني فسر آية الإدناء تفسيراً عملياً يوضح حال نساء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن جميعاً، فهو يوضح ما كان عليه النساء في عهد الصحابة رضي الله عنهم.
يقول ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن معنى آية الإدناء ألا وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩] يقول ابن سيرين: فقال عبيدة بثوبه هكذا، فغطى وجهه بثوبه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه.
فهذا توضيحٌ عملي من تابعي جليل عاش في المدينة المنورة في عهد عمر بن الخطاب إلى أن مات رحمه الله.
فهذا تفسير عملي لآية الإدناء، ووالله إنه من أعظم الأدلة؛ لأنه نقل لما كان عليه النساء في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم! {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩].
وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف إذا خرجت لحاجة، حتى لا يطمع أهل الريبة فيهن.
ومن العلماء من يقول: إن الصحابيات رضي الله عنهن كن يخرجن كاشفات الوجوه! وهذا والله بهتان عظيم؛ لأن الوجه هو أصل الجمال في المرأة، وأنا أسالك بالله أيها المسلم المنصف! لا أريد منك جواباً، وإنما أجب أنت بنفسك على نفسك في جلسة صدق ولحظة صدق مع الله جل وعلا، أسألك بالله لو أن شاباً تقدم لخطبة فتاة وقيل له: لن ترى الفتاة إلا في صورة من الصورتين.
فقال الشاب: وما هما؟ قالوا: الصورة الأولى: أن تخرج لك الفتاة في كل زينتها، وقد غطت وجهها! أي: غطت بدنها بالثياب وغطت وجهها، إلا أنها من تحت هذه الثياب، ومن تحت هذا الغطاء وضعت كل ما يمكن أن تضعه المرأة من زينة.
سبحان الله! وما استفاد هذا المسكين إذاً؟! ما رأى شيئاً وما استفاد من تلك الزينة شيئاً.
والصورة الثانية هي: أن تقف لك الفتاة من خلف نافذة وتنظر إليك بوجه مبتسم، وقد تغطى كل البدن من خلف جدار هذه النافذة، بشرط أن تنظر إلى الوجه فقط.
فبالله عليك ماذا يختار الشاب؟! هل يختار الحالة الأولى التي خرجت إليه فيها المرأة وقد تغطت من قمة رأسها إلى أخمص قدمها وغطت وجهها أم أنه يريد أن ينظر إلى الوجه؛ لأنه هو عنوان الجمال الخلقي والطبيعي في الإنسان، ومن خلاله يستطيع الإنسان أن يبين الجمال والقبح والدمامة والنضارة؟! يقول الشاب بالمنطق: أريد الصورة الثانية، وهي: أن ينظر إلى وجه المرأة ليتعرف من خلال وجهها على جمالها وقبحها أو دمامتها، وهذا لا يحتاج إلى دليل، فكل منصف لم يمت إنصافه في قلبه، فيعمى بذلك عقله، سيقول هذا.
إذاً: الله تبارك وتعالى يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر زوجاته وبناته ونساء المؤمنين.
ومن العلماء من قال بأن الحكم هنا خاص بزوجات النبي! سبحان الله! كيف يكون الحكم خاصاً بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم والله تبارك وتعالى يقول في نفس الآية: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٩]، يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي الآية قرينة واضحة على وجوب ستر الوجه، ما هي هذه القرينة؟ يقول: هي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب:٥٩] ومعلوم أن وجوب احتجاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وسترهن لوجوههن أمر لا نزاع فيه بين المسلمين.
فكيف تستقيم دعوى الخصوصية لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن والله تعالى يقول في آخر الآية: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ}؟! وهذا واضح.
وأكتفي بهذا القدر في هذه الآية؛ لأن الموضوع طويل.