انحرفت الأمة فزلَّت وأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وصدق في الأمة قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال:(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلا، ولكنكم يومئذ غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن.
قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت).
لقد أصبحت الأمة الآن غثاء من النفايات البشرية، تعيش متفرقة في دويلات متناثرة، بل متصارعة، بل متحاربة، تدخل بينها حدود جغرافية مصطنعة، وأعراف قومية منتنة، وصارت ترفرف على سماء الأمة -بلا استثناء- رايات القومية والوطنية! وتحكم الأمة كلها قوانين الغرب العلمانية! وتدور الأمة كلها في الدوامات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي ستغور فيه! فأُبدلت ذلاً بعد عزة وجهلاً بعد علم، وضعفاً بعد قوة، وأصبحت الأمة الإسلامية في ذيل القافلة الإنسانية كلها، بعد أن كانت في الأمس القريب جداً الدليل الحاذق الأريب، حيث كانت تقود القافلة الإنسانية كلها بجدارة واقتدار، وأصبحت الأمة الآن تتسول على موائد الفكر الإنساني والعلمي كله!! بعد أن كانت بالأمس القريب جداً منارة تهدي الحيارى والتائهين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام، وأصبحت الأمة المسكينة تتأرجح في سيرها، بل لا تعرف طريقها الذي ينبغي أن تسلكه، والذي يجب أن تسير فيه! بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب الدليل الحاذق الأريب في الدروب المتشابكة، وفي الصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير فيها إلا الأدلاء المجربون.
أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالخيرية في قوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:١١٠]؟! أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالوسطية في قوله سبحانه:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:١٤٣]؟! أهذه هي الأمة التي أمرها الله بوحدة الصف والاعتصام بحبل الله المتين في قوله سبحانه:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣]، وفى قوله سبحانه:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران:١٠٥]؟! إن الناظر إلى الأمة في واقعنا المعاصر سينقلب إليه بصره خاسئاً وهو حسير؛ فإن واقع الأمة الأليم لا يكاد يخفى الآن على أحد، وما تتعرض إليه الأمة اليوم -لا أقول العراق، بل ما تتعرض له الأمة كلها اليوم- من إذلال مهين من قلعة الكفر على ظهر الأرض أمريكا، ما تتعرض له الأمة كلها الآن من ذل وهوان وضرب بالنعال؛ ليؤكد تأكيداً جازماً هذا الواقع المر الأليم، الذي لا يحتاج من داعية أو عالم من علماء الأمة الآن إلى مزيد بيان أو إلى مزيد تشخيص أو تدليل!! فإن الواقع الأليم الذي تحياه الأمة لا يجهله إلا مسلم لا يعيش إلا لشهواته الحقيرة ونزواته الرخيصة، أما مسلم يحترم نفسه يحترم أمته يحترم هذا الدين لا أظن ألبتة أنه يجهل هذا الواقع الأليم.