السبب الأول: البعد عن الله عز وجل، وضعف الإيمان، وقلة الخوف من سخط الله وعذابه في الدنيا والآخرة، والجرأة على محارمه، والاستهتار بشرعه وحدوده، كل هذا مع كثرة الفتن بنوعيها ألا وهما فتنة الشهوات والشبهات.
ولا شك أيها الإخوة! أن القلب الذي لم يعرف الله عز وجل، ولم يتذوق صاحبه حلاوة الإيمان، ولم يرتجف إجلالاً لله وخوفاً منه سبحانه، لا شك أن صاحب هذا القلب يعيش في ظلمة ووحشة وضنك، وإن كان يتقلب في النعيم المادي الزائل، ولا شك أن صاحب هذا القلب يعيش فريسة سهلة للشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء، هذا عندي هو أول وأخطر الأسباب للوقوع في هذه المصيبة والكارثة، بل وفي كل مصيبة وكارثة، وإن أردتم الدليل العملي على قولي، فعليكم أن تنظروا نظرة سريعة إلى أولئك الشباب الطاهر الطائع، وإلى أولئك الشباب التائه الضائع، كلهم شباب في سن واحدة في بيئة واحدة يتعرضون لنفس الفتن والمؤثرات، ولكن شتان شتان بين شاب يقف بين يدي الله جل وعلا متذللاً متضرعاً يخاف الفتنة، ويخشى الوقوع في المعصية، ويهرع إلى المساجد، وإلى مجالس العلم، ويحرص على مصاحبة الأطهار، ويبتعد عن الاختلاط الحرام، ويذهب إلى الجامعة وهو يحمل هموم أمته ودعوته وأسرته، شتان شتان بين هذا وبين شاب لا يعرف الله جل وعلا، ولم يتذوق حلاوة الإيمان، ولم يعرف طريق المسجد، ولم يحضر مجالس العلماء، ولم يستمع إلى القرآن، بل ولا يفارق سمعه الغناء الماجن والموسيقى الصاخبة، ولا يستحي أن يخلو هنا أو هنالك بفتاة متبرجة لا تعرف للدين حرمة، ولا للحياء مكانة، فما العلاج؟! العلاج يكمن أيها الشباب! وأيتها الفتيات! في العودة إلى الله عز وجل، فو الله ثم والله لا سعادة ولا فلاح ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا في صدق اللجأ إلى الله جل وعلا، قال سبحانه:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:٦٩]، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:٢ - ٣]، وقال سبحانه:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:٣]، وفي الحديث الذي رواه أبو نعيم وابن ماجة والحاكم والبغوي بسند صحيح بشواهده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن روح القدس نفث في روعي: إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعة الله).
نعم أيها الشباب! وإذا رأيتم شاباً على المعصية وقد أعطاه الله من النعيم ومن فضله فاعلموا بأنه مستدرج من الله جل وعلا، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته فاعلم بأنه مستدرج من الله تعالى، وقرأ النبي قول الله عز وجل:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:٤٤ - ٤٥]).