للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إعلان اليهود الحرب والعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم]

ذهب -في أول يوم وصل فيه المصطفى إلى المدينة- حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب، فنظرا إلى وجه النبي فعرفاه، فقال أبو ياسر لأخيه حيي: أهو هو؟ قال: نعم، والله إنه لهو.

فقال أبو ياسر: هذا هو النبي الذي كنا ننتظر؟ فقال حيي: إي والله إنه لهو.

فقال أبو ياسر: تعرفه بصفته؟ فقال حيي: نعم، أعرفه بصفته.

فقال أبو ياسر: فماذا تجد في نفسك؟ فقال المجرم: عداوته والله ما بقيت.

يا مجرم! أنت الذي ذكرت أنه هو النبي الذي ذكر في التوراة بصفته! ولكنه الحقد، وفي هذا اليوم جاء عبد الله بن سلام عالم اليهود الأكبر وحبر اليهود الأعظم إلى النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح البخاري من حديث أنس - فقال: (يا محمد! إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، فقال المصطفى: ما هي؟ قال عبد الله بن سلام: أسألك عن أول أشراط الساعة؟ وما هو أول طعام أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال المصطفى: لقد أخبرني بهذا جبريل آنفاً، أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام أهل الجنة: فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع -أي: كان المولود ولداً- وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت -أي: كان المولود بنتاً- وفي لفظ مسلم من حديث ثوبان: إذا علا مني الرجل مني المرأة كان ذكراً بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل كأن أنثى بإذن الله، فقال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله)، عالم منصف.

ثم قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت، يعرفون الحق وينكرونه ويكذبونه، فأرسل إلى اليهود واسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فأرسل النبي إلى بطون اليهود فأقبل اليهود، فقال لهم بعدما اختفى ابن سلام: (ما تقولون في عبد الله بن سلام؟ قالوا: حبرنا وابن حبرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، -وفي رواية: وأفضلنا وابن أفضلنا- فقال لهم المصطفى: فماذا لو أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله بن سلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فرد اليهود المجرمون على لسان رجل واحد وقالوا: هو سفيهنا وابن سفيهنا، وشرنا وابن شرنا).

فاليهود قوم بهت، عرفوا النبي تماماً ولكنهم شككوا في نبوته منذ اللحظة الأولى، ونزل قول الله جل وعلا: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:٨٩]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٤٦].

من أجمل ما قاله عبد الله بن سلام: (والله إني لأقر لمحمد بالنبوة أكثر مما أقر لابني بالبنوة) فإن الذي أخبر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو الله رب العالمين، فشكك اليهود في نبوته منذ أول لحظة وصل إلى المدينة المنورة، بل منذ أول لحظة بعث فيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا: يا محمد! إن كنت رسولاً من عند الله فلقد جاءنا موسى بالألواح من السماء، فإن كنت نبياً حقاً فاطلب من ربك أن ينزل عليك ألواحاً من السماء لنطمئن لنبوتك، فنزل قول الله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء:١٥٣]، أي: لموسى.

وذهبوا للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا: اطلب من ربك يا محمد أن يكلمنا وأن يخبرنا أنه قد أرسلك رسولاً، فنزل قول الله جل وعلا: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [النساء:١٥٣]، وقال الله جل وعلا: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة:١١٨].