الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام، أيها الآباء الفضلاء، وأيتها الأخوات الكريمات، وأيها الشباب! متى سنتوب؟! متى سنرجع إلى علام الغيوب؟! أما آن لقلوبنا أن تخشع، وأن تخضع وأن ترجع وأن تنيب، والله إن الموت يأتي بغتة، وإن أقرب غائب ننتظره جميعاً هو الموت، فلا تسوف أخي الكريم وعجل بالتوبة، وعاهد ربك الآن بين يديه أن تنيب، وأن ترجع إليه سبحانه، وأن تمتثل أمره، وأن تجتنب نهيه، وأن تقف عند حدوده، وأن تراقب الله في سرك وعلنك، وفي خلوتك وجلوتك، وأن تحرص على مجالس العلم، وأن تفرغ لها من الوقت والجهد والمال، فإن مجالس العلم تجدد الإيمان في القلب، وتحول بينك وبين معصية الله بإذنه جل وعلا؛ لأن مجلس العلم طريق يقربك إلى الجنة ويبعدك عن النار، كما قال النبي المختار:(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة).
فعد وارجع وتب إلى الله، وأرجو ألا تيأس أو تقنط، فالفقه كل الفقه أن نرهب دون يأس أو تقنيط -نسأل الله أن يرزقنا الفقه والعلم- فالفقه كل الفقه أن نرهب بكلام الله وكلام رسوله دون أن نوصل الناس إلى حد القنوط واليأس من رحمة الله.
حاشا ثم حاشا أن ييأس مسلم يعرف الله جل وعلا من رحمته ومن فضله وعظيم عفوه، لكن المسلم العاقل الذي يرجو الله هو الذي يدفعه الرجاء في الله إلى العمل الصالح والتوبة والأوبة.
أيها الشاب! مهما بلغت ذنوبك ومهما بلغت ذنوبك أيتها المسلمة! فلتعاهد الله جل وعلا جميعاً من الآن على أن تعود إليه، وعلى أن تجدد له التوبة والأوبة.
ونحن على يقين بأنه سبحانه وتعالى سيفرح بتوبتنا وهو الغني عنا، فهو سبحانه لا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية، قال الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:٥٣].
ما دمت توحد الله جل جلاله فاعلم بأن التوبة تجب كل كبيرة وصغيرة:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨]